لم يعمل جميل السيد لتحجيم الحريري في عهد الهراوي الا مقدمة وتسهيلاً للمجيء بإميل لحود رئيساً للجمهورية، ولعل الاثنين لحود والسيد لم ينسيا ان رفيق الحريري كان الاكثر حماساً للتجديد للهراوي (1995 – 1998) من حافظ الاسد نفسه، بل انه هو الذي خاض معركة التجديد للهراوي خوفاً من مجيء لحود وهو يعرف ما يخبئه الثنائي لحود – السيد له.
وكان الحريري هو صاحب مبادرة الطلب الحكومي في مجلس الوزراء من الهراوي – المتعفف!!!!!!!! قبول التمديد له لمدة ثلاث سنوات، فوقف خطيباً يرجوه ((قبول)) التمديد الشهير.. تأجيلاً لقدر مجيء اميل لحود لرئاسة الجمهورية.. عل وعسى.
نجح الحريري بالتمديد للهراوي عام 1995 يعاونه اساساً في دمشق نائب الرئيس عبد الحليم خدام وهو صديق شخصي ووفيّ للحريري، ومنذ ذلك التاريخ اقفلت ابواب دمشق الاخرى في وجهه، مع بدء صعود نجم الدكتور بشار حافظ الاسد داخل سوريا، وشيئاً فشيئاً كان الرئيس الاسد يسلم ابنه اوراقاً من ملف لبنان حتى بات كله بين يديه مبعداً وشيئاً فشيئاً قادة الملف القدماء الثلاثي في سوريا الشهابي – خدام – دوبا – مبقياً الرجل الموثوق في كل العهود غازي كنعان في لبنان.
كان حول بشار الاسد رجال لا يحبون رفيق الحريري لاعتبارات كثيرة، ومع ان حافظ الاسد كان يوصي الحريري دائماً باللقاء مع ابنه بشار الا ان الحريري كان يستمع كثيراً الى خدام الذي لم يكن متحمساً لهذا الطلب، وبالمقابل كان الحريري يستمع الى من يقول له ان بشار عندما يأتي الى السلطة لن يرحم خدام.. ولن يرحمك.. وكم خاف الحريري وغضب وتأسف عندما بدأت حملة اعلامية شنيعة من اذاعة لندن وجريدة ((الحياة)) ضد الرجل الاساس في نظام حافظ الاسد العماد اول حكمت الشهابي، واتفق مع رفيقه القوي وليد جنبلاط ان يطلق الاخير تصريحاً من لبنان دفاعاً عن الشهابي – وكان الحريري رحمه الله – يردد: وليد شجاع وأنا لا استطيع ان ادافع حتى عن اصدقائي وأبو حازم (الشهابي) واحد منهم!!
وكان الحريري في لبنان يعرف ان اميل لحود يكرهه أيضاً وان جميل السيد كان يحرتق عليه سواء عبر تصريحات نواب ضده وضد حكومته او وزراء يهددونه داخل جلسات مجلس الوزراء بقلب الطاولة ضده بل ان احدهم محمود ابو حمدان هدده في حال عدم تعيين حسن تفاحة (امل) مسؤولاً عن الاسواق الشعبية المقررة بفتح ملف الاستملاكات البحرية وكل لبنان يعرف ان هذا الملف يطال الجيش ووزراء ونواباً ومؤسسات دينية واجتماعية وحزبية وشخصيات معروفة.. لكن الحريري كان يأخذ كل الامور بصدره رغم معرفته انه المستهدف الوحيد فيذهب لمراضاة نبيه بري وهو يعرف ان باب النار في عنجر او في اليرزة فيتدخل ابو مصطفى بعد الترضية للتخفيف عن الحريري عند كنعان دون أي اتصال مع جميل السيد.
وكان الاعلام المكتوب – وأغلب المرئي – ممسوكاً من قبل جميل السيد وطبعاً غازي كنعان، يسطّر ويشنّع ويشيع ويفبرك اخباراً وأوهاماً ومعلومات في مقالات يطالون فيها دائماً مشروع الحريري الاعماري وأرقامه الاقتصادية، وكان نجاح واكيم صاحب اطول لسان مزوداً بمعلومات جميل السيد او هناك في دمشق من الحاقدين على الحريري للتطاول عليه وعلى مشروعه.
كان الحريري يدرك ان كل هم الثنائي لحود – السيد وترجمة لأحقاد من في دمشق ضده، الاطاحة به واضعافه الى الحد الادنى كي يأتي لحود رئيساً للجمهورية، ولم يكن لحود يخفي هذا الطموح، بل كان يردد وبحسم انه قادم للرئاسة مهما طال الزمن، لأن الرئيس حافظ الاسد الذي يتخلى شيئاً فشيئاً عن الحكم لابنه بشار ويتخفف من اعمال الدولة كلها لنجله الطبيب بسبب وضعه الصحي الحرج يريد أن يطمئن إلى من يرتاح ابنه بالعمل معه في لبنان وهو يعرف ان بشار لا يكن وداً للحريري.
ولقد أذاق الثنائي لحود – السيد رفيق الحريري المر عندما هاجمت وحدة من الجيش وزارة المالية حيث وزيرها الصديق الشخصي للحريري فؤاد السنيورة، بحجة المطالبة بحقوق الجيش في مسائل ((يعطلها)) السنيورة، وحصلت مواجهة مع مديرة مكتبه اعتقلت على أثرها وكان الهجوم والاعتقال رسالة مباشرة ليس لفؤاد السنيورة الذي يمكن اعتقاله من منـزله، بل إلى رفيق الحريري شخصياً وسياسياً، ونموذجاً أو صورة للمستقبل الذي ينتظره بوجود هذا الثنائي القادم إلى الحكم.
كانت مهمة السيد تدمير النظام السياسي في لبنان والطبقة السياسية الحاكمة وكلها جاءت بها دمشق منذ العام 1992، تمهيداً لمجيء إميل لحود من قيادة الجيش إلى رئاسة الجمهورية على حصان أبيض، وتولى السيد التمهيد بأضخم حملة إعلامية تتحدث إيجاباً عن مآثر الجيش وقائده، ولا تترك سلبية أو نقيصة بالطبقة السياسية إلا وتتهمها بها.
وكان الغريب والعجيب ان كل مساوىء الطبقة السياسية والسياسات الحكومية والقرارات التي صدرت منذ العام 1992 ألصقت برفيق الحريري وحده وتولى نواب ووزراء اعلام وأحزاب وأشخاص التطاول عليه شخصياً وعلى سياساته دون أي ذكر لأي مسؤول أو رئيس أو وزير أو نائب أو مدير عام في لبنان كله.. حتى بات الحريري هو الهدف الأبرز للاغتيال السياسي – قبل الاغتيال الجسدي - لكل هذه الحملة التي بدأت ضد الرجل منذ العام 1993 حتى استشهاده في مطلع العام 2005.