ولد شفيق أديب الوزان في بيروت سنة 1925م وتلقي علومة الدراسية في مدارس المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت ثم انتقل للجامعة اليسوعية لينال شهادة الحقوق سنة 1947م وفي سنة 1969م أنتخب نائبا عن الدائرة الثالثة لمدينة بيروت وأنتخب عضواً في لجنة الداخلية وبلجنة الإدارة والعدل ولجنة التربية وفي سنة 1980 م تراس رئاسة الوزراء حيث حضرة حكومته الاجتياح الاسرائيلي للبنان سنة 1982م ورعة حكومته الثانية أتفاق 17 أيار الموقع مع الكيان الصهيوني وقد خسر الوزان مستقبله السياسي جراء ذلك الاتفاق حيث أجبر على الاستقاله بعد انتفاضة شعبيه في 6 شباط 1983م حيث تحركت الجماهير في كل من بيروت والضاحية الجنوبية والجبل مما اجبر حكومته على الغاء الاتفـاق في 26/9/1983م هذا وتوفي شفيق أديب الوزان سنة 1998م.
◄رئيسا للوزراء:
1-من 25/10/1980 إلى 07/10/1982 في عهد فخامة الرئيس الياس سركيس
2-من 07/10/1982 إلى 30/04/1984 في عهد فخامة الرئيس امين الجميل
◄وزيرا:
1-وزير البريد والبرق والهاتف- وزير العدل: 15/01/1969 - 25/11/1969 في حكومة رشيد كرامي في عهد فخامة الرئيس شارل حلو
2-وزير الداخلية: 25/10/1980 - 07/10/1982 في حكومته في عهد فخامة الرئيس الياس سركيس
3-وزير الداخلية: 07/10/1982 - 30/04/1984 في حكومته في عهد فخامة الرئيس امين الجميل
◄نائبا عن بيروت:
1- في الدور التشريعي الثاني عشر من 1968 إلى 1972
فتح دفاتره قبل رحيله. شفيق الوزان : تقبلنا 17 ايار خوفاً من التفتيت وقلت لشولتز هذا اسوأ يوم في حياتي الثانية والأخيرة
تفاصيل النشر:
غاب رئيس الوزراء اللبناني السابق شفيق الوزان فيما المنطقة على عتبة محاولة حاسمة لاقامة السلام العادل والشامل. وفي هذه الحلقة حديث عن اتفاق 17 ايار مايو اللبناني الاسرائيلي ومحطات أخرى. وهنا نص الحلقة الثانية والأخيرة.
◄دولة الرئيس بمَ شعرت يوم انتخاب بشير الجميل رئيساً للجمهورية؟
- شعرت بأن خطأ كبيراً وخطيراً قد ارتكب وهو خطأ الإخلال بالتوازن في لبنان وفي صورة لم يعرفها لبنان من قبل. منصب رئيس الجمهورية أساسي وحساس، خصوصاً في تلك الفترة قبل اتفاق الطائف. وعادة كان الموقف الإسلامي مهماً في ترجيح كفة هذا المرشح أو ذاك. في صيف 1982 وفي ظل الغزو الاسرائيلي كانت الأمور مختلفة. شعرت بالقلق لأن لبنان لا يحتمل وجود الصقور في المواقع الرئيسية في الدولة. كان بشير قائداً لـ"القوات اللبنانية"، أي انه كان طرفاً في الحرب. وكان هناك كلام عن علاقة ما لـ"القوات" باسرائيل. ثم ان رئيس الجمهورية يجب أن تكون له علاقات بكل العائلات اللبنانية. كان شعوري أن التركيبة اللبنانية لا تتحمل تطوراً من هذا النوع. والتجارب تقول ان التطرف يستدعي التطرف. ولبنان يدار بالتعقل والحكمة والتفاهم والتسوية. لم أكن نائباً لأكون معنياً مباشرة بعملية الانتخاب. وعلى رغم كوني رئيساً للحكومة غبت عن جلسة الانتخاب انسجاماً مع قناعاتي ومع الموقف الداعي الى المقاطعة آنذاك. أكثر من ذلك لقد جاء من يسألني قبل الجلسة ما إذا كنت مستعداً لأن أنقل في سيارتي الى بيروت الغربية نواباً يقيمون في شرق بيروت ولا يريدون تأييد بشير ولا المشاركة في تأمين النصاب لانعقاد الجلسة. أبديت استعدادي لكن النواب المعنيين لم يحضروا لأنقلهم بسيارتي.
◄هل فاتحك المبعوث الأميركي بموضوع تأييد بشير؟
- لا، كان يعرف موقفي. اعتقد بأن فيليب حبيب لعب دوراً في اقناع بعض الأطراف ببشير وكانت له في هذا المجال اتصالات محلية وأخرى تتخطى الاطار اللبناني.
◄ألم تحاول اقناع الرئيس الياس سركيس بالموافقة على تمديد ولايته؟
- حاولت ولم أنجح. كما حاول كل الذين تخوفوا من وصول بشير الى الرئاسة وما يمكن أن يرتبه. رفض الرئيس سركيس فكرة التمديد بصورة قاطعة. كان من مدرسة تعتبر المس بالدستور أمراً خطيراً. كان الحكم بالنسبة الى سركيس نوعاً من العذاب لأنه حلم بانهاء الحرب وإذ بولايته تنتهي في ظل ظروف مأسوية. ولعله كان يعتقد بأن التمديد لفترة وجيزة لن يحل المشكلة. كان سركيس ينتظر بفارغ الصبر انتهاء ولايته. وفي الأسابيع الأخيرة كان يدرب نفسه على الخروج ويذهب الى منزله ليعد نفسه لحياة المواطن العادي أو الرئيس السابق. الرئيس صائب سلام حاول اقناعه وكان متفقاً في هذا الرأي مع الرئيس رشيد كرامي. واعتقد بأن سركيس بدأ يشعر في تلك الفترة ببدايات المرض، وربما شعر أيضاً بأن وطأة الكارثة قد تدفع اللبنانيين الى احياء التسوية بينهم.
◄لماذا أيّد سركيس وصول بشير الجميل الى الرئاسة؟
- لم تكن العلاقة جيدة بينهما أصلاً لا بل انها كانت سيئة وتحمَّل سركيس انتقادات وتهجمات. في مرحلة لاحقة اعتقد سركيس بأن بشير الجميل، وهو صار الأقوى في الساحة المسيحية، لن يسمح لأي رئيس جديد أن يحكم، هذا إذا أمكن جمع المجلس لانتخاب رئيس غير بشير. كان سركيس يخشى حصول فراغ يؤدي الى تمزق البلاد. ولعله اعتقد أن بشير سيكون قادراً على تقديم بعض التنازلات التي لن يجرؤ على تقديمها رئيس ضعيف.
قبل ذلك كان الرئيس سركيس اقترح علي ّ ذات يوم ان نضم الى الحكومة بشير الجميل ووليد جنبلاط ونبيه بري. ذكّرته بأنني عارضت منذ البداية تشكيل حكومة فعاليات ولفته الى الموقف الحرج الذي لن استطيع تحمله إذا أشركنا جنبلاط وبري ثم استقالا. اقتنع الرئيس بموقفي وفي هذا السياق ولدت فكرة هيئة الانقاذ الوطني التي ضمت الثلاثة وآخرين ودعيت الى الاجتماع بعد الغزو. واعتبرنا انه في حال نجحت الهيئة في اقامة جسور تفاهم بين هؤلاء فإن انتقالهم الى مقاعد الحكومة سيكون سهلاً في وقت لاحق.
◄لم تنجح التجربة؟
- نعم لم تنجح. وفي أحد تلك الاجتماعات اليتيمة خرج بشير ووليد الى غرفة جانبية وكان بيننا من تفاءل بأنهما سيغيبان نصف ساعة على الأقل للاتفاق على عناوين حوار بينهما، لكنهما عادا بعد دقائق. كان جنبلاط بادي التوتر الى درجة أنه لم يكن قادراً على الجلوس على كرسيه.
◄انتخب بشير ثم اغتيل؟
- طبعاً الاغتيال أمر مؤسف. فالخلاف مع شخص شيء والاغتيال شيء آخر. لقد كانت صفحة الاغتيالات شديدة الإيلام. ألا نفتقد اليوم كمال جنبلاط والمفتي حسن خالد والإمام موسى الصدر والرئيس رينيه معوض وغيرهم. اغتيل بشير ووقعت مجازر صبرا وشاتيلا بكل ما فيها من وحشية واجرام. وللانصاف كان الرئيس سركيس قد أبلغني بأن بشير لا يريد ان تشارك "القوات اللبنانية" في أي دخول اسرائيلي الى بيروت الغربية رداً على تحذيري من أن خطوة من هذا النوع قد تعني نهاية لبنان.
◄ما هي صورة سركيس في ذاكرتك؟
- اعتقد بأن الرئيس سركيس لم ينصف تماماً على الأقل إبان فترة حكمه. رجل عصامي جاء من عائلة متواضعة وصنع نفسه ومستقبله. لفت سركيس نظر رؤسائه بسبب تعلقه الشديد بفكرة الدولة والمؤسسات والقانون. انتماؤه الى المدرسة الشهابية رسخ فيه هذا الميل. مثابر وجدي ونظيف. المال العام مقدس بالنسبة اليه. وفي المقابل هناك رؤيته للتركيبة اللبنانية وضرورة حفظ التوازنات وتغليب مصلحة الدولة على أي مصلحة أخرى. كان سركيس مستعداً للتضحية بأي علاقة شخصية إذا ما كان شرط استمرارها شيئاً يمس القانون أو فهمه للدولة.
خلال تولي رئاسة الوزراء في عهده لم أكن احتاج الى أي تذكير بصلاحيات أو بديهيات على رغم حراجة الظروف والضغوط الهائلة التي كان يتعرض لها كل منا. سلوكه الشخصي كان يعبر عن قناعاته. لم يكن استعراضياً ولا محباً للمبالغات. ذات يوم وكنا في الطائرة في طريقنا للمشاركة في مؤتمر رحب قائد الطائرة برئيس الجمهورية والوفد المرافق له. استدعى سركيس قائد الطائرة وطالبه بالتصحيح والترحيب برئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوفد المرافق وهذا ما حصل. مرة أخرى أصر على أن انزل معه في الفيلا المخصصة له لأن أماكن الاقامة المخصصة لرؤساء الحكومات كانت في مجمع آخر وبذلت جهداً لاقناعه بأن اقيم مع رؤساء الحكومات. ومرة ثالثة كاد يتسبب باشكال بروتوكولي في أحد مؤتمرات القمة بسبب اصراره على أن ندخل القاعة معاً فرجوته ان يدخل أولاً لتفادي الاحراج. انها مسائل بسيطة لكنها معبرة. والحقيقة ان التيار مشى بيني وبينه سريعاً ووفرنا على البلاد خضات كانت في غنى عنها.
◄هل كنت تشعر مثلاً انك مستبعد عن مسائل يدرسها سركيس مع فؤاد بطرس وزير الخارجية وجوني عبده مدير المخابرات في الجيش اللبناني؟
- سمعت هذا الكلام والحقيقة انه غير صحيح. لم تكن لدى سركيس عقلية من هذا النوع. طبعاً لكل رئيس أصدقاء يثق بهم ويرتبط احياناً معهم بعلاقات شخصية. أنا أيضاً لدي أشخاص ارتاح الى قربهم مني. في أمور الدولة لم ألمس شيئاً من هذا النوع خصوصاً ان الوزير بطرس هو أيضاً رجل دولة يتصف بالكفاءة وحس المسؤولية والوعي. شائعات كثيرة ترددت لكن دعني أصارحك لم يكن فؤاد بطرس طرطوراً ولم يكن شفيق الوزان طرطوراً كان كل واحد يؤدي دوره في اطار موقعه وصلاحياته ومسؤولياته. كان العبء ثقيلاً وكنا نشعر أن علينا أن نصل الليل بالنهار لدرء المخاطر أو للتخفيف من الآلام.
◄ لم تصطدم مع الوزير بطرس؟
- لا، لم يحصل صدام. كنا نتناقش ونتحاور ونصل دائماً الى الصيغة التي نعتبر انها الأسلم للبلد.
هنا أريد ان أقول ان فيليب حبيب كان يبحث مع الرئيس سركيس مواضيع لا يبحثها معي ربما لأنها تتعلق ببشير الجميل وموقفي المعارض لترشيحه لم يكن سراً.
◄ ثم انتخب أمين الجميل رئيساً؟
- نعم ولكن في ظروف مختلفة عن ظروف انتخاب بشير. جاء الرئيس الجميل في شبه اجماع وبدعم اسلامي واسع. قدمت استقالتي وفقاً للأصول وطلب مني الاستمرار في تصريف الأعمال. لم أشارك في جلسة الانتخاب، ولست نائباً أصلاً، لكنني شاركت في جلسة القسم وألقيت كلمة اعتبرت جريئة جداً اذ قلت للرئيس المنتخب ان التهنئة مؤجلة الى حين تحقيق ما ورد في كلمتك انك ستكون فوق الأحزاب وفوق الطوائف.
لدى البحث في اسم رئيس الحكومة كان هناك من طرح اسمي وقيل لي ان الجميل رد معلقاً: "هل تريدون ان يكون عهدي مجرد استمرار لعهد سركيس؟". هذا يعني انه لم يكن متحمساً. وأنا بدوري كنت متعباً وراغباً في الخروج من الحكم لكن ذلك لم يحصل.
◄والسبب؟
- كانت للرئيس الجميل مداولات مع شخصيات اسلامية أعادت طرح اسمي.
◄الرئيس صائب سلام مثلا؟
- نعم لقد طرح الرئيس سلام اسمين: الرئيس تقي الدين الصلح وأنا. وبعد المداولات شاء حظي أن أتحمل مرحلة جديدة من المعاناة. والحقيقة انني وافقت بعد إلحاح شخصيات سياسية ودينية كانت تربطني بها علاقات وثيقة. نالت الحكومة الثقة وحصلت على صلاحيات استثنائية. وفي المناسبة أنا ادعو الى إعادة قراءة المراسيم الاشتراعية التي أثيرت حولها ضجة كبيرة وتقرر الغاؤها لاحقاً. ادعو الى قراءتها بهدوء وفي غياب مناخات التوتر التي كانت سائدة في تلك الأيام.
كان الرئيس أمين الجميل شاباً ومتحمساً فتحرك سريعاً في اطار ما سماه مغامرة الانقاذ ولا أعرف لماذا سماها مغامرة، ربما لحراجة الظروف. كان الجميل ينتمي الى فريق يطالب بقوة بخروج كل القوات المسلحة غير اللبنانية من لبنان. والحقيقة انني وفريق كبير من اللبنانيين لم نقبل يوماً بأي مساواة بين الاحتلال الاسرائيلي والوجود العسكري السوري. فسورية دولة شقيقة بيننا وبينها أواصر التاريخ والجغرافيا وعلاقتنا بها مميزة بحكم هذه الأواصر. طبعاً كان من الصعب على اللبناني ان يعارض شعاراً يقول ان المطلوب هو ان تكون كل الأراضي اللبنانية في عهدة قوات الشرعية اللبنانية خصوصاً إذا كان انسحاب قوات شقيقة أو صديقة يسهل انسحاب المحتل.
◄ما هي قصة اتفاق 17 أيار مايو 1983 اللبناني - الاسرائيلي؟
- لا أعرف إذا كانت المسافة الزمنية التي تفصلنا عن ذلك التاريخ باتت تتيح النظر بقدر من الواقعية والموضوعية. لا أريد أبداً ان أدافع أو أن أبرر. موقفي خلال تلك المفاوضات معروف وبعض الكتب التي تحدثت عن تلك الحقبة أشارت الى موقف شفيق الوزان والغضب الاسرائيلي والانزعاج الأميركي من ذلك الموقف. قصدت انه للكلام عن مسألة من هذا النوع لا بد من وضعها في اطارها. عندما يجثم جيش محتل على صدر وطن آخر فإن أول ما يفكر به البلد الذي تعرض للاحتلال هو المقاومة والمراهنة على قواه الذاتية لاخراج قوات الاحتلال من دون قيد أو شرط. هذا حق بديهي. لكن دعنا نعترف ان مثل هذه الامكانية لم تكن متوافرة أبداً. لم تكن المقاومة قد انطلقت أو على الأقل لم تكن قد تبلورت بعد. أوضاع الجيش اللبناني كانت معروفة ولا حاجة ايضاً لشرح الأوضاع السياسية. كانت هناك حالة انهيار أو ارتباك وكان لبنان يرزح تحت كابوس. اما الخيار الثاني فهو الرهان على الشرعية الدولية وانتظار قدرتها على تطبيق قراراتها. تستطيع دولة ما التعايش مع احتلال جزء من أراضيها إذا كانت أوضاعها متماسكة خارج المنطقة المحتلة وإذا كان الاحتلال بعيداً عن مركز القرار فيها وغير قادر على تهديد عاصمتها. والشيء الأهم ان الدولة قد تستطيع احتمال احتلال جزء من أراضيها إذا كانت واثقة من أن المحتل غير قادر على تهديد وحدتها الوطنية والنفاذ الى تركيبتها الداخلية لإثارة النزاعات. لم يكن هذا الشرط متوافراً أيضاً.
كانت القوات الاسرائيلية على مشارف بيروت وكانت لبعض الأطراف علاقات مع اسرائيل التي تبين لاحقاً أنها سلحت أكثر من طرف وأعدت لاقتتال دموي بين اللبنانيين بهدف تمزيق اللحمة الداخلية. ثم ان القرارات الدولية السابقة المتعلقة بالنزاع العربي - الاسرائيلي أو بجنوب لبنان لم تنفذ. يضاف الى ذلك ان تسليم السفير السوفياتي في بيروت، بعد الغزو الاسرائيلي، بعجز بلاده عن التأثير على اسرائيل لم يترك للسلطة اللبنانية خيارات كثيرة. كان الهم الأول لدى الدولة اللبنانية ازالة الاحتلال سريعاً ومنع اسرائيل من التسبب في تفتيت لبنان.
يا سيدي في مفاوضات مدريد وما بعدها وكذلك قبلها طرح موضوع الأرض في مقابل السلام كقاعدة. من حيث المبدأ هذه أرض عربية محتلة والعدو يجب أن ينسحب منها وأن يعاقب لكن ميزان القوى يفرض أحياناً نتائج معينة. والسلام الذي تحدث عنه الرئيس جورج بوش يعني العلاقات الديبلوماسية والتطبيع وغيره. طبعاً لبنان لم يكن يريد أن يبرم معاهدة سلام مع اسرائيل. ولم يكن مخيراً في اجراء مفاوضات أو عدم اجرائها فقد كانت مخاطر استمرار الاحتلال جسيمة.
◄وهنا عدنا الى فيليب حبيب، كيف نظرت اليه؟
- ديبلوماسي بارع يأكل موضوعه قطعة قطعة. الحقيقة أنني لمست منذ لقائنا الأول معه في عهد الجميل انه لم يكن مرتاحاً الى عودتي الى رئاسة الحكومة. هنا بدأت تتشكل نواة فريق يتعاطى موضوع المفاوضات المطروحة لاخراج الاسرائيليين وكان يضم رئيس الجمهورية وأنا ووزير الخارجية ايلي سالم والسفير غسان تويني وهو رجل صاحب كفاءة وخبرة وجاء لاحقاً وديع حداد وآخرون.
لم يكن التفاوض خياراً كان قدراً لمنع تفتيت لبنان فقد كان الاحتلال الاسرائيلي مزروعاً في الجسد اللبناني كالخنجر.
نقل إلينا فيليب حبيب ان الاسرائيليين يريدون التفاوض على مستوى رئيس الوزراء. واجهناه برفض قاطع ثم اقترحوا التفاوض على مستوى وزير أو إدارة فقلنا هذا مستحيل. في النهاية وبعد جهود في رفض الاقتراحات الاسرائيلية وقعت القرعة على سفير سابق متقاعد هو انطوان فتال مع معاونين عسكريين ومدنيين وامكان الاستعانة ببعض السفراء في الخارج. كانت كل خطوة تستدعي حل مجموعة عقد. تشكيلة الوفد ومكان التفاوض وجدول الأعمال. رفضنا أشياء كثيرة وكثيرة. ثم انطلقت عملية التفاوض. طبعاً حصلت مفاجأة ذات يوم إذ أبلغ وزير الدفاع الاسرائيلي ارييل شارون المبعوث الأميركي حبيب انه توصل مع مبعوث لبناني الى صيغة اتفاق يرضى بها لبنان. كان هذا التطور مفاجئاً ومقلقاً وتساءل الجميع من أين جاءت هذه القناة المباشرة التي تستبعد الدور الأميركي. أكد الرئيس الجميل ان لا علاقة له بالأمر وتم تجاوز الموضوع ولم يحدث أي تفرد لاحقاً.
◄هل كان هناك تشاور مع سورية في تلك المرحلة؟
- كانت هناك اتصالات شاركت فيها في البداية. وكان للرئيس الجميل قنواته ايضاً. الحقيقة اننا تصرفنا في ضوء وجود سقف سوري مفاده ان المهم ان لا تخرج اسرائيل من هذه المفاوضات بأي كسب سياسي. هنا كان تفسير هذا السقف أعمق لدى البعض منه لدى آخرين. أنا فهمته بأن المطلوب ان لا يبرم صلح مع اسرائيل وهذه كانت قناعتي الراسخة. استطيع القول إن سورية كانت على اطلاع على ما يجري عبر الاتصالات اللبنانية معها وعبر الصحافة وعبر وسائلها. واؤكد الآن ان رغبتنا في اطلاع سورية على ما يجري كانت صادقة تماماً.
هنا أريد أن أشير الى أن لا صحة اطلاقاً لما تردد ان الاتفاق كان جاهزاً وأن الجانب اللبناني اضطر الى توقيعه كما هو. لم يكن الاتفاق بمثابة عقد ايجار لا يحتاج الا الى التوقيع. رفضنا وعارضنا واقترحنا بدائل وأزلنا عدداً من الألغام لكن بدايات التوتر والاشتباكات في بعض المناطق كانت عامل ضغط على الجانب اللبناني الذي لازمه الخوف من تفتيت البلد. حصل تحرك في اتجاه الولايات المتحدة لمنع انسحاب جزئي يؤدي الى فتنة في المناطق التي يخليها الجيش الاسرائيلي وترسيخ الاحتلال في مناطق أخرى. كنا نصر على انسحاب كامل. طبعاً رفع لبنان في الجلسة الأولى للمفاوضات اتفاق الهدنة كمستند قانوني وحيد. لم يقبل الاسرائيليون. لم يكن باستطاعة الجانب اللبناني قلب الطاولة والتسبب في انهيار المفاوضات. لهذا كان لبنان مضطراً لتقبل بعض الأمور. تصور ان الجنرال الاسرائيلي المفاوض توجه الى الجنرال اللبناني عباس حمدان وقال له: "يكفينا مواقف أريد أن اسألك من المنتصر نحن أم أنتم".
طرح الاسرائيليون مطالب كثيرة رفضناها. طرحوا مثلاً أن يكون لهم وجود في جبل الباروك نظراً لموقعه الاستراتيجي رفضنا أي وجود وحكيت لوزير الخارجية الأميركي قصة مسمار جحا أي الذريعة الصغيرة التي تضمن تدخلاً متزايداً. في النهاية توصلنا الى صيغة تقضي بأن لا تستخدم الدولة اللبنانية موقع جبل الباروك لأغراض عسكرية. طرحوا مسألة تتعلق بالصواريخ أرض - جو فقال العسكريون اللبنانيون انها غير واردة في خطة تسليح الجيش اللبناني فقلنا نستطيع الموافقة على هذا الأمر لفترة محددة ما دام ليست لدينا صواريخ. بالنسبة الى المنطقة الأمنية يجهل كثيرون ان اتفاق الهدنة نفسه يضع قيوداً ويحدد عدد الجنود والآليات في تلك المنطقة. توسعت المنطقة الأمنية بسبب قضية الكاتيوشا لكن لبنان نجح في تضمين الاتفاق نصاً يسمح له بادخال 12 ألف جندي بدلاً من 1500 جندي. هناك ايجابيات وهناك سلبيات. أنا لا اروّج لاتفاق 17 أيار. تقبلناه بألم بعدما تبين لنا تعذر انقاذ لبنان عن طريق الأمم المتحدة أو الجامعة العربية أو عن أي طريق أخرى.
◄كانت اللقاءات صعبة مع شولتز؟
- نعم. أحياناً كان يراودني شعور باليأس لأن دولة عظمى كالولايات المتحدة لا تنتصر بطريقة حاسمة لصاحب الحق ولأن دولة صغيرة كلبنان لم تجد أمامها غير الولايات المتحدة للتعجيل في انسحاب قوات الاحتلال الاسرائيلي. في اجتماع في القصر الجمهوري قبل توقيع اتفاق 17 أيار بوقت قصير خاطبت الوزير شولتز قائلاً: "تقولون انكم زعماء العالم الحر وانكم تدافعون عن الحرية. للأسف نراكم اليوم تساعدون اسرائيل على فرض شروط على لبنان غير موجودة لا بالقرار 425 ولا في القرارين 508 و509. هناك قرار دولي يطالب اسرائيل بالانسحاب من دون قيد أو شرط. ومع ذلك تقبلون أن تفرض اسرائيل علينا شروطاً فيما نتعرض للمذابح. يظهر يا مستر شولتز ان ما قاله لافونتين عن ان "حجة الأقوى هي الفضلى دائماً" صحيح. آسف أن أقول انكم تساهمون اليوم في دعم القوي. ربما يجعل ربنا شعبنا الأقوى في المستقبل وعندئذ سينتزع حقوقه بيده. يا مستر شولتز لم تقم أميركا بما يتوجب عليها في هذه المرحلة. أنا رجل حزين وأشعر ان هذا اليوم هو أسوأ يوم في حياتي".
◄وبعد ذلك؟
- انتهت تلك المرحلة وحان وقت الخروج الى التوقيع. قلت للرئيس الجميل انني أفضل ان يستشار مجلس النواب اللبناني قبل ذهاب الوفد الى التوقيع. أدلت الحكومة ببيان أمام المجلس وانتهت الجلسة بتوصية تعبر عن الاجماع في دعم صمود الوحدة الوطنية وفي دعم الحكم في تحقيق السيادة الكاملة. وبعد التوقيع عدنا الى المجلس الذي أيّد بشبه اجماع اذ عارض نجاح واكيم وزاهر الخطيب وامتنع اثنان أو ثلاثة عن التصويت. الغريب ان الجانب المتعلق بمجلس النواب لم يتحدث عنه أحد عندما اثير موضوع اتفاق 17 أيار.
فوجئنا بعد التوقيع بكتاب من الاسرائيليين نقله الجانب الأميركي ومفاده ان الاسرائيليين لن ينسحبوا من لبنان ما لم ينسحب السوريون منه. ورددت بتصريح قلت فيه اذا كانت اسرائيل لن تخرج الا بشرط خروج السوريين، وهذا غير وارد في الاتفاق، فإن ذلك يجعلنا نقول اننا في حل من هذا الاتفاق ونعتبره غير نافذ أي بحكم الملغى.
وفي وقت لاحق اقترحت على الرئيس الجميل عدم ابرام الاتفاق وكان موقفه مشابهاً لموقفي. لم ينشر الاتفاق والغي لاحقاً بعدما توصلنا الى صيغة عدت بها عن الاستقالة من أجل تمكين الحكومة من الغائه. وللتاريخ أقول لم نقبل اتفاق 17 أيار بل تقبلناه في ضوء الظروف والمخاطر ونترك للتاريخ ان يقول كلمته >
مصدر اللقاء - الوسط: غسان شربل