دخلت الطباعة العربية الى لبنان والمنطقة من باب قرية صغيرة في جبل لبنان هي الخنشارة المكللة بصنوبرها وسقوفها القرميدية الحمراء تحرسها هامة جبل صنين.
في هذه القرية يقع دير مار يوحنا المبني على طبقات صخرية تحيط به اشجار السنديان والصنوبر المعمرة وكروم العنب.
ولكن الميزة الكبرى لهذا الدير تكمن في احتوائه ارثا تاريخيا تراثيا فريدا من نوعه، هو المطبعة العربية الاولى التي انشأها عبدالله الزاخر القادم من حلب ولا تزال محفوظة بكاملها حتى اليوم، علما انه تم ترميمها في العام 1998 باشراف وزارة السياحة فأصبحت متحفا يقصده السياح العرب والاجانب.
درسنا في كتب التاريخ ان المطبعة الاولى في لبنان هي مطبعة دير مار انطونيوس قزحيا في وادي قاديشا، ولم تذكر الكتب مطبعة دير مار يوحنا في الخنشارة.
والحقيقة ان مطبعة قاديشا هي اول مطبعة للحرف السرياني، اما مطبعة الخنشارة فهي اول مطبعة للحرف العربي، وفيها طبع اول كتاب باللغة العربية وعنوانه «ميزان الزمان» (في العام 1734).
يخيل الى زائر الدير والمتحف انه يدخل التاريخ لبرهة: هنا صالة النقوش، ثم صالة التأليف، تليها صالة صهر المعادن وطبخ الحبر والطباعة، ثم صالة خياطة الكتب وتجليدها. وتجدر الاشارة الى ان مطبعة الزاخر لا يمكن تصنيفها من المطابع الاثرية أو التاريخية، كونها لاتزال قادرة على العمل حتى اليوم اذا ما اراد ذلك الرهبان القيمون عليها.
وقد تميزت باستعمال حبر خاص مستخرج من اعشاب موجودة في اراضي الدير يجمعها الرهبان ويصنعون منها حبرا ازرق واحمر واسود، علما ان هناك وصفات عدة لتركيب الحبر وجعله نضرا على مر الزمن.
ويردد القيمون على المطبعة - المتحف ان عبدالله الزاخر لم يكن راهبا بل كان رجلا مدنيا اكتسب صفة «الشماس» فيما بعد تكريما له ولانجازاته، وأصله سوري من حلب، وقد أمن تسيير المطبعة حتى وفاته في العام 1748.
وكان قد صمم بعض الادوات وأمر بانجازها في سوق النجارين والحدادين في حلب، كما قام بابتكار ادوات ونفذها بنفسه.
ولكن رغم ما تمثله هذه المطبعة من تراث وطني وارث تاريخي، لايزال الاقبال عليها خفيفا نسبة الى المتاحف المشابهة في مناطق اخرى. ومرد ذلك عدم الاهتمام الرسمي الكافي بها من خلال التعريف عنها في المناهج المدرسية والإعلانات الخاصة بوزارة السياحة في وسائل الاعلام.