د. محمد يونس(*)
يشترط القانون الدولي وجود نظام معين للمحافظة على السلم والأمن الدوليين، بجهود المجتمع الدولي ككل، نظام يكفل الأمن الجماعي العالمي. في أساس هذا النظام يكمن مبدأ تحريم استعمال القوة المسلحة في العلاقات بين الدول، ويقتصر استخدامها فقط على المصلحة المشتركة لكل الدول وبقرار من مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة.
إلا أن هذا النظام القانوني، في الواقع الدولي المعاش، كان يتم خرقه، وبصورة جوهرية، بدليل ان هناك عشرات بل ومئات النزاعات الدولية المسلحة حدثت في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى الأمس القريب. عندئذ، فالدول، التي التجأت الى استعمال القسوة في علاقاتها مع الدول الأخرى، حاولت إظهار ما كانت تقوم به من أعمال على أنها أعمال مسموح بها أو مشروعة وفقاً للقانون الدولي المعمول به حالياً.
في المقابل، نجد أن هناك بعض الدول، ومن بينها الدول الكبرى ـ دائمة العضوية في مجلس الأمن، استخدمت قواتها المسلحة ضد دول أخرى خارج إطار الشرعية الدولية. وليس هناك ثمة ضمانات ألا تتكرر هذه الأعمال مستقبلاً الأمر الذي سيؤدي حتماً الى تقويض نظام الأمن الجماعي ويصيبه في الصميم.
من بين المبادئ والأهداف التي ينادي بها ميثاق الأمم المتحدة، هو أن الأولوية ولا شك تعطى لمسألة العمل لمنع الحرب وحفظ السلم والأمن الدوليين. ولهذا بدأ الميثاق في ديباجته بالعبارة التالية "نحن شعوب الأمم المتحدة" وقد آلينا على أنفسنا: أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب...". وكهدف أساسي للمنظمة الدولية يعلن ميثاق هيئة الأمم: "الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وتحقيقاً لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم وازالتها، وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم " ولتحقيق هذا الغرض تشترط المادة 2 فقرة 4 على أن "يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الإستقلال السياسي لأية دولة أو على وجه آخر لا يتفق ومقاصد "الأمم المتحدة".
ففي ميثاق الأمم المتحدة وفي أدبيات القانون الدولي كان قد أثير نقاش ملياً، لمدة طويلة، حول ما إذا كان يعني مصطلح "القوة" المنصوص عليه في الميثاق ـ القوة المسلحة، أم أن هناك أشكال أخرى للقوة. وبخصوص هذه المسألة جرت في اللجنة الخاصة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة مناقشات عدة عند وضع الاعلان الخاص بمبادئ القانون الدولي وتمخضت عن المداولات هذه وجهتي نظر:
ـ تقول الأولى: أن مفهوم "القوة"، بحسب الميثاق، لا يتضمن فقط القوة المسلحة، وإنما يتعداها الى اشكال اخرى للقوة. هذا التفسير تبنته البلدان الأفرو ـ آسيوية بدعم من دول أوروبا الشرقية (الإشتراكية سابقاً).
ـ وتقول الثانية: ان مفهوم "القوة" بحسب الميثاق، يتضمن فقط القوة المسلحة، وهذا الرأي تبنته الدول الغربية وأكثرية دول أميركا اللاتينية. وبناء على هذا لم يأت إعلان المبادئ 1970 على تفسير دقيق لمفهوم القوة. غير أنه في اعلان المبادئ، وفي مقدمته بالتحديد، يحتوي على فقرة تذكر بواجبات الدول ان تمتنع في علاقاتها مع بعضها البعض عن استخدام أي شكل من أشكال الضغط العسكري والسياسي والإقتصادي الذي يستهدف سلامة الأراضي والاستقلال السياسي لأية دولة. لذا فمصطلح "القوة" المتضمن في الفقرة 4 المادة 2 من الميثاق، لا يجوز النظر اليه بشكل منفصل، وإنما يتوجب تفسيره كلية مع ما يتصل بحقوق وواجبات الدول التي يحددها الميثاق. وقد حدد مشروع إعلان حقوق الدول وواجباتها الذي وضعته لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة هذه الواجبات على النحو التالي:
1 ـ مراعاة أحكام القانون الدولي في علاقة كل دولة بغيرها.
2 ـ تسوية الخلافات الدولية بالوسائل السلمية وطبقاً لأحكام القانون والعدالة.
3 ـ الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية أو الخارجية للدول الأخرى.
4 ـ الامتناع عن تشجيع الثورات الأهلية في أقاليم الدول الأخرى.
5 ـ تنفيذ الدولة بحسن نية لإلتزاماتها الناشئة عن المعاهدات. يكمن العنصر الأساسي في مضمون مبدأ استعمال القوة والتهديد بالقوة في تحريم الحرب العدوانية. ووفقاً لهذا المبدأ، المذكور أعلاه، يمنع على الدول بالأخص:
1 ـ أية أعمال تمثل تهديداً باستعمال القوة بشكل مباشر أو غير مباشر واستخدامها ضد دولة أخرى.
2 ـ استعمال القوة أو التهديد بها بهدف الإخلال بالحدود الدولية المعترف بها لدولة أخرى.
3 ـ أعمال العنف التي من شأنها حرمان الشعوب من حريتها واستقلالها وحقها في تقرير مصيرها.
4 ـ الإستيلاء على أراضي دولة أخرى نتيجة التهديد بالقوة واستخدامها.
5ـ التنظيم والإثارة والمساعدة أو المشاركة في أعمال إرهابية في دولة أخرى أو الإذعان لنشاطات منظمة داخل أراضيها مواجهة لإرتكاب مثل هذه الأعمال في حال كانت الأعمال الآنفة الذكر لها صلة باستعمال القوة أو التهديد باستخدامها.
يقضي ميثاق الأمم المتحدة بـ حالتين فقط يجوز فيهما استخدام القوة بشكل مشروع، بموجب الفصل السابع من الميثاق:
أولاً: بقرار من مجلس الأمن الدولي في حالة تهديد السلم والإخلال به أو وقوع أعمال العدوان (المواد 39 ـ 42 من الميثاق).
ثانياً: في حالة الدفاع عن النفس.
(*) باحث في القانون الدولي
*** المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها***