د. محمد يونس(*)
طغى تعبير "الإرهاب" و"الإرهاب الدولي" في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد 11 أيلول 2001، على ما سواه من التعابير السياسية في الخطاب الغربي عموماً والأميركي خصوصاً. غير أن اهتمام الرأي العام العالمي يتركّز منذ زمن بعيد على قضية الإرهاب الدولي.
ففي عام 1937، وقّع مندوبو 24 دولة في جينيف اتفاقية لـ"منع الإرهاب والقضاء عليه"، وأكدت هذه الاتفاقية مبدأ القانون الدولي الذي يحتم على كل دولة بموجبه منع أي نشاط إرهابي ضد دولة أخرى، بينما تعهد أطراف الاتفاقية بمعاقبة من يمارسون هذا النشاط. ولكن هذه الاتفاقية لم تدخل حيّز التنفيذ حتى الآن. وتحدثوا عن قضية "الإرهاب الدولي" لاحقاً في عام 1972، من منبر هيئة الأمم المتحدة السامي، أثناء انعقاد الدورة 27 للجمعية العامة للأمم المتحدة والتي شارك فيها ممثلون عن 93 دولة وجميعهم تطرّقوا الى مسألة الإرهاب وتعريفه وطرق معالجته وكانت المناقشات حول هذا الموضوع جادة جداً. وفي الأعوام التي تلت لا سيما 1973، 1977 و1979 بدأت في إطار الأمم المتحدة اللجنة الخاصة بقضايا الإرهاب الدولي وظيفتها في وضع تعريف لظاهرة الإرهاب وطرق مكافحته، ولم تتمكن اللجنة من التوصل الى غايتها في تحقيق نتائج ملموسة وذلك بسبب الاختلاف في وجهات النظر بين الأطراف المشاركة في المناقشات، في محاولة سعي البعض منها لربط مفهوم الإرهاب بنضال حركات التحرّر الوطني ومقاومة الاحتلال.
منذ بداية عمل اللجنة الخاصة، كما نرى، لم يتغيّر إلا القليل في اختلاف مواقف الدول في موضوع الإرهاب الدولي، على الرغم من أن كل الدول تدرك ضرورة اتخاذ إجراءات فعّالة وجذرية لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة. لذا فاللجنة الخاصة، في فترة انعقاد دورتها سنة 1979، وضعت توصيات عامة لاتخاذ تدابير عملية من خلال التعاون الدولي بهدف القضاء على مشكلة الإرهاب.
إن نظام التعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب يتركّز في إطار هيئة الأمم المتحدة وفروعها الرئيسية ووكالاتها المتخصّصة، وبهذا الصدد تم إبرام العديد من الاتفاقيات العامة وأهمها:
1 ـ الاتفاقية الخاصة بقمع الجرائم وبعض الأفعال الأخرى الحاصلة على متن الطائرات ـ طوكيو 14 أيلول 1963.
2 ـ الاتفاقية الخاصة بقمع الاختطاف اللاشرعي للطائرات ـ لاهاي 16 ك1 1970.
3 ـ الاتفاقية الخاصة بقمع الأعمال اللاشرعية الموجّهة ضد سلامة الطيران المدني ـ مونريال 23 أيلول 1971.
4 ـ الاتفاقية الخاصة بتلافي وقمع الجرائم الواقعة ضد الأشخاص المتمتّعين بحماية دولية بما فيهم الديبلوماسيون 14 ك1 1973.
5 ـ الاتفاقية الدولية ضد اختطاف الرهائن 17 ك1 1979.
6 ـ الاتفاقية الدولية حول الحماية الطبيعية للمواد النووية ـ يينا 3 آذار 1980.
7 ـ الاتفاقية الدولية حول قمع الأعمال اللاشرعية الموجّهة ضد الملاحة البحرية ـ روما 10 آذار 1988.
8 ـ الاتفاقية الدولية لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل 12 ك1 1988.
9 ـ الاتفاقية الدولية لحماية موظفي الأمم المتحدة سنة 1994.
10 ـ الاتفاقية الدولية بشأن الأعمال المهدّدة لسلامة الطيران المدني عام 1997.
11 ـ الاتفاقية الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب 9 ك1 1999.
أما على مستوى التعاون الإقليمي فقضايا مكافحة الإرهاب يتم البت فيها ضمن إطار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، الاتحاد الأوروبي، مجلس أوروبا، منظمة الدول الأميركية وجامعة الدول العربية (مقررات قمة بيروت 28 آذار 2002).
تجدر الإشارة الى أنه توجد أشكال للتعاون في هذا المجال عبر الاتفاقيات الثنائية بين الدول.
إن إحدى أهم الصفات المميّزة للإرهاب المعاصر تتمثّل في دينامية ظهوره، وفي الطرق التي يلجأ إليها الإرهابيون للوصول الى أهدافهم.
وفقاً لهذا، فالمبادئ والقواعد التي تنظم التعاون الدولي في مكافحة الأعمال الإرهابية ليست جامدة وإنما هي موجودة في مرحلة التكوين.
إن من بين المبادئ الأساسية التي يرتكز عليها هذا التعاون ـ هو مبدأ الاعتراف بعدم شرعية الإرهاب بكل أشكاله والتنديد به. وهذا المبدأ انعكس جلياً في البيان الختامي لممثلي 34 دولة في شرم الشيخ في آذار 1996، الذي تضمن التنديد الحازم بكل أعمال الإرهاب الدولي بأشكاله كافة ومهما كانت الدوافع والأسباب وراء ذلك وجهة مرتكبيه.
ويحظى بالاهتمام أيضاً، مبدأ التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب، الذي يتمثل في الأحكام الأساسية لكل الاتفاقيات المتعلقة بمكافحة الإرهاب وكذلك في القرارات المتعددة للأمم المتحدة وقرارات المنظمات الدولية الأخرى ذات الصلة. إن من واجب كل دولة أن تبذل قصارى جهدها للمساهمة في القضاء على الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة. فاللجنة الخاصة المعنية بالإرهاب الدولي نسبت الى هذه الأسباب، وبالأخص التي تخالف ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي:
ـ إستعمال القوة، العدوان، الإخلال بالاستقلال السياسي وبسلامة أراضي الدول، العنصرية، سياسة الإبادة العرقية، الفاشية، الظلم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، خرق حقوق الإنسان، الفقر، الجوع والمعاناة...
آخذة في الاعتبار البحوث والدراسات التي أجرتها اللجنة الخاصة بالإرهاب، ناشدت الجمعية العامة للأمم المتحدة مراراً، وبالأخص في قراراتها: القرار (159/42) المتخذ في 7 ك1 1987، والقرار (29/44) المتخذ في 4 ك1 1989، والقرار (51/46) المتخذ في 9 ك1 1991 الدول وفروع الأمم المتحدة العمل وبالتدريج للقضاء على الأسباب الجذرية للإرهاب الدولي، لافتة النظر بشكل خاص الى "كل الحالات بما فيها الاستعمار والعنصرية، والحالات التي تُنتهك فيها حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وكذلك الحالات التي تنشأ بنتيجة الاحتلال الأجنبي الذي يُمكن أن يُسبّب أعمال الإرهاب ويُهدد السلام والأمن الدوليين".
الأمر الثاني الذي له صلة بمكافحة الارهاب هو ما تم التوصل إليه من قرارات أصدرها مجلس الأمن الدولي:
ـ القرار 1189 المتخذ في 13 آب 1998، وهو تأكيد للمبدأ الذي أقرته الجمعية العامة في إعلانها في تشرين الأول 1970 (القرار 2625 من البند 25) والذي ينص "ان على كل دولة واجب الامتناع عن التنظيم والاثارة والمساعدة أو المشاركة في أعمال إرهابية في دولة أخرى أو الاذعان لنشاطات منظمة داخل أراضيها موجهة لارتكاب مثل هذه الأعمال".
ـ القرار 1368 المتخذ في 12 أيلول 2001، الذي أقر للدول حق الدفاع عن النفس.
ـ القرار 1373 المتخذ في 28/9/2001، الذي وجه طلباً ملزماً لكل الدول في مكافحة الارهاب. هذان القراران لا يمثلان القانون الدولي بقدر ما يعني هذا القانون الدولي معاهدات شارعة تتعلق بأوضاع عامة. ومع ذلك فإن القرار الثاني ملزم لكافة الدول لأنه استند الى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على فرض عقوبات على الدول التي ترفض التعاون في مكافحة الارهاب والاستناد الى الفصل السابع يعني أن القرار يصبح تلقائي التنفيذ. ما يعني أنه لا يحق لأية دولة أن تتذرع بكون القرار يخالف سيادتها الوطنية لأن المادة الثانية من الميثاق تقول: "إن الأمم المتحدة لا يجوز لها أن تتدخل في الشؤون الداخلية للدول إلا إذا كان هذا التدخل مستنداً الى الفصل السابع" في هذا السياق تأتي القرارات التي أصدرها مجلس الأمن الخاصة بلبنان بعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري ورفاقه وما تلاها من جرائم إرهابية أخرى وهي: 1595، 1636، 1644 (2005)، وفي قراره 1664 (2006) استجاب المجلس فيه لطلب الحكومة اللبنانية إنشاء محكمة ذات طابع دولي لمحاكمة جميع المسؤولين عن الجرائم الارهابية. الأمم المتحدة من جهتها بشخص أمينها العام تريد استنفاد كل الامكانيات لإقرار المحكمة في المؤسسات الدستورية اللبنانية، باعتبارها الفرصة الأخيرة أمام الدولة اللبنانية وإلا ستقر من قبل مجلس الأمن تحت الفصل السابع من الميثاق.
(*) باحث
*** المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها و