إذا كان لا بد من إرجاع الفضل إلى أصحابه فيما يتعلق بالتعليم الأهلي على الطريقة العصريّة عند المسلمين في بيروت، فإننا نرجع هذا الفضل إلى رجلين إثنين كانا أول من فكّر في هذا المشروع وأخرجاه إلى حيّز التنفيذ بالفعل، وهما: الشيخ عبد الله خالد الذي توفي يوم الجمعة في 27 ذي الحجة 1280هـ 1862م وكان الشيخ المذكور إماماً في جامع النوفرة الذي بناه الأمير منذر بن سليمان التنوخي المتوفى سنة 1043هـ 1633م في سوق البازركان.
والثاني، الشيخ محمد الحوت الذي وُصف بأنه فريد عصره ووحيد دهره. توفي ليلة الأربعاء في 8 ذي القعدة 1277هـ 1860م. كان الشيخ المذكور إماماً في الجامع العمري الكبير، وهو من العلماء في تفسير القرآن الكريم والحديث الشريف، والفقه والعلوم الدينيّة والأدبيّة وله كتب تشهد بعلمه وإطلاعه.
ولقد كان لهذين الشيخين اليد البيضاء في نشر العلم في بيروت وبث الثقافة الإسلاميّة في هذه المدينة. كما كانا مقصداً لطلاب العلم من المسلمين الذين كانوا يحضرون عليهما دروسهما في جامع النوفرة والجامع العمري الكبير، لا سيما التجّار الذين نشأ جيل كبير منهم على مستوى رفيع من العلوم الشرعيّة واللغويّة، نذكر منهم على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر الشيخ عمر الفاخوري والشيخ عبد الباسط الفاخوري وقد تولى الثاني منصب إفتاء ولاية بيروت، والشيخين محمد وعبد الرحمن إبني الشيخ محمد الحوت اللذين ذاع صيتهما في هذا البلد واشتهرا بالفضل والزهد، والشيخين عمر البربير وأخيه إبراهيم والشيخ عبد الرحمن النحّاس الذي تولى نقابة الأشراف والحاج حسين بيهم الأديب والشاعر المعروف، والشيخ قاسم أبا الحسن الكستي والد الشيخ محمد الكستي الذي تولى منصب قاضي القضاة في بيروت وهو آخر من تولى هذا المنصب.
ومن الذين درسوا على الشيخين المذكورين محمد بك السجعان (الصقعان) الذي إشتهر بالفروسيّة وتولى المناصب الحكوميّة وكان في نفس الوقت شاعراً مجيداً وفارساً صنديداً وهو من آل الأنسي الذين منهم أيضاً عمر الأنسي صاحب (ديوان المورد العذب). ومنهم الشيخ إبراهيم الأحدب (الطرابلسي) وكان من الشعراء المشهورين، والشيخ محي الدين اليافي الذي قدم من دمشق الشام وزاول التدريس في الجامع العمري الكبير، والشيخ يُوسُف الأسير (الصيداوي) والشيخ حسن الغزي (من غزة بفلسطين)، والشيخ عبد القادر الشريف (من خليل الرحمن بفلسطين)، وغيرهم.