مهنة التوليد معروفة من قديم الزمان، ولكن لهذه المهنة في بيروت سيدات من عائلات مختصة بالتوليد، حتى أن المهنة غلبت على اسم إحدى العائلات فعُرفت بآل الداية.
واشتهر بين أهالي بيروت أن بعض الدايات مبروكات، أي أن الولادة كانت تسهل على أيديهن، أو أن النساء يلدن على أيديهن الذكور، فتتهافت عليهن الطلبات.
كانت كرسي الداية من أهم أدوات الولادة، وهي عبارة عن كرسي خشبي، بمسندين على الجانبين، وثقب في الوسط حيث تجلس النفساء، وقد ثبت طبياً أن هذه الوضعيّة كانت تساعد على خروج المولود، بأسرع وأسهل مما لو كانت المرأة مستلقية على ظهرها، يُذكر أن الشخص الذي يُكلّف باستدعاء الداية، كان مجبراً على حمل هذه الكرسي، تتبعه الداية ومعها (عدتها).
وكانت العادة أن تقوم الداية بتبشير والد المولود وتلقى البشارة النقدية منه، حسب مركزه المالي والاجتماعي (فالعطا قيمة)، وهي التي كانت تخفف بلسانها المطواع وكلامها المعسول وطأة الخبر على الوالد إذا كانت المولودة بنتاً، إذا كان المولود ذكراً فرحت النسوة وابتهجن وأطلقن الزغاريد، وحضر في الصباح حاملو الطبل والزمر للتهنئة بالمولود والتصحيف أي الإشادة بأهل المولود، فيقولون: خلف الله عليك، حباً بالمولود ووالد المولود، بيَّض الله وجهه.
وكان من طرائف ذلك الزمان وعادات أهله، أن يسلّم المولود بعد غسله وإلباسه ملابسه، إلى إحدى العجائز المحنكات أو السيدات المشهورات بالفصاحة، فتقوم بوضع أصبعها في فم المولود، وتمرره يمنة ويسرة عدة مرات وهي تردد (اللهم يجعلك من أهل الفصاحة) أو (يجعل كلامك يخرّس الحكام والظلاّم)، ويُسمّى هذا العمل بالتحنيك، أي التيمّن بأن يكون الطفل في مستقبله انساناً محنكاً.
وكان من عادات النساء الاحتفاظ بسرّة الولد بعد قطعها، فتجفف وتحفظ في مكان آمن، حتى إذا سنحت الفرصة بعد عدة شهور عمدت والدته إلى رمي السرة في السراي مثلاً، كي يصبح ابنها من الحكّام، أو رميها على باب ثكنة عسكرية أو مخفر شرطة، تفاؤلاً بأن يصبح ابنها من الضباط، وكان الحرص شديداً على عدم رمي السرّة مع نفايات الولادة خوفاً من أن تأكلها هرة أو كلب شارد، فيلحق الشؤم بالولد.
ويطبخ المغلي بعد الولادة ويُرسل إلى الأهل والأصحاب، ويُقدّم للزوار، ويقوم المهنئون بتقديم الهدايا (النقوط).
وكانت دايات بيروت من جميع الطوائف، يساعدن النساء دون تمييز أو تخصيص، فالأفضلية كانت للجارة وداية الحيّ دون النظر إلى طائفتها أو مذهبها، فمنهن الداية كاترين (أم عزيز) أشهر دايات محلة الحدرة وزاوية المغاربة وجوارهما في بيروت القديمة، وقد ولد على يديها الكثير من أبناء هذه المحلات، وكان يوم وفاتها سنة 1924م يوماً مشهوداً، بكتها النساء من الطوائف كافة وشيّعها رجال الحي كلهم، وأقفلت الأسواق القريبة حداداً على جارة الناس وبنت حيّهم ودايتهم.