آل حوت
من الأسر الإسلاميّة البيروتيّة واللبنانيّة والعربيّة، تعود بجذورها إلى قبائل اليمن وشبه الجزيرة العربيّة، وقد أسهمت في ظل الإسلام في فتوحات مصر وبلاد الشام والعراق والمغرب والأندلس، لهذا يدرك الباحث مدى انتشار الأسرة في مناطق عربية عديدة. وما تزال قبائل الحوت والحوثيين من أهم وأقوى قبائل اليمن. كما أن اليمن شهدت مدينة «حوت» القديمة في اليمن.
كما أن بلاد الشام شهدت قرى وبلدات باسم «حوت» و«كفر حوت».
ويشير ابن الأثير بأن بني الحوت ينقسمون إلى فرعين وهما:
1- الحوتي: نسبة إلى حوت وهو بطن من كِنْدة، وهو حوت بن الحارث الأصغر بن معاوية بن ثور وهو كِنْدة.
2- حوت: وهو بطن من همدان، منهم الفقيه حوت بن سبع بن صعب بن معاوية بن كثير بن مالك بن أسد بن يخلُد بن حوت الفقيه صاحب عليّ عليه السلام، وقد أشار إلى ذلك ابن الكلبي.
وأشار «معجم قبائل العرب» بأن الحوتيين عدة فروع وهي:
1- حوت: بطن من همدان، من مالك بن زيد بن كهلان من القحطانية.
2- حوت: نسبة إلى حوت بن الجون، بطن من كندة منالقحطانية، وهم بنو حوت بن الجون بن مسعود.
3- حوت: نسبة إلى قبيلة الحوتة، بطن من لَبيد من سُليم بن منصور، من العدنانية، كانت منازلهم في المغرب العربي لا سيما برقة.
4- حوت: نسبة إلى قبيلة الحوتة، من قبائل مصر، تنسب إلى عرب الحجاز، كانت تقيم في مديرية الفيوم.
5- الحوت: نسبة إلى قبيلة الحوتيات، وهي فرقة من عشيرة المشاقبة، كانت منازلها حول المدور من قبيلة بني حسن التي منازلها حول جرش في الأردن.
6- الحوت: نسبة إلى قبيلة الحوتية، وهي من قبائل العرب في دارفور في السودان، كان يعرف باسم السودان المصري.
7- حوت: نسبة إلى قبيلة حُوثة (حوتة)، وهو فخذ من هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عِكرمة خصفة بن قيس بن غيلان من العدنانية.
8- حوت: نسبة إلى عثمان بن محمد المعافري المعروف بابن الحوت من أهل طليطلة المتوفى (1057 م) كان كثير التلاوة للقرآن الكريم.
ونظرًا لانتشار وكثرة قبائل وعشائر وبطون الحوت، فقد أطلق على قرى وبلدات في بلاد الشام والمغرب العربي ومصر اسم «حوت». ومهما يكن من أمر، فإن من الأهمية بمكان القول، بأن أسرة الحوت الإسلاميّة البيروتيّة واللبنانيّة والعربيّة (بيروت، صيدا، فلسطين، مصر...) إنما يعود نَسَبها إلى البيت النبوي الشريف، إلى جدهم الأعلى الإمام الفقيه المقدم محمد التريمي ابن السيد علي ابن الشيخ محمد صاحب مرباط ابن الشيخ علي ضالع قسم ابن الشيخ علوي ابن الشيخ محمد مولى الصومعة ابن الإمام الكبير الشيخ شمس الدين علوي الحضرمي جد آل علوي ابن الشيخ عبيد الله ابن الشيخ المهاجر إلى الله أحمد ابن الشيخ عيسى النقيب البصري ابن الشيخ محمد البصري ابن السيد علي العريضي ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر ابن الإمام علي زين العابدين ابن الإمام الحسين t. وفي ضوء هذا المشجر والنسب الشريف، يدرك الباحث والقارئ بأن أسرة الحوت من الأسر الشريفة التي تعود بجذورها إلى سلالة الرسول محمد r وإلى الدوحة المحمدية.
وبالفعل، فقد تولى أفراد من آل الحوت نقابة السادة الأشراف في أكثر من ولاية عربية عثمانية وفي مقدمتها بيروت المحروسة - كما سنشير لاحقًا -. ومن المعروف أن أحدًا لا يستطيع تولي هذه النقابة إلا من ثبت أنه من سلالة السادة الأشراف. ومن المؤكد أن بروز آل الحوت في العهد العثماني إنما كان مع علماء كبار من علماء العرب والمسلمين هما: السيد الشيخ محمد درويش الحوت أحد الصالحين في بيروت المحروسة ونجله شيخ مشيخة بيروت الإمام العلاّمة الشيخ محمد أفندي الحوت الكبير (1795 - 1860 م) وأولاده العلماء السادة: عبد الله، الشيخ محمد، ونقيب السادة الأشراف في بيروت الشيخ عبد الرحمن الحوت (1846 - 1916 م). وقد سبق أن كتبت عن أسرة الحوت الكريمة منذ عام (1981 م) في كتابي «مذكرات سليم علي سلام» (1868 - 1938 م) وفي كتابي «بيروت المحروسة في العهد العثماني» وفي سواهما من كتب ودراسات عن بيروت المحروسة. كما قمت بمراجعة علمية لكتاب المفكر التربوي المرحوم الأستاذ محمد الحوت (1794 - 1860 م) ومما جاء في مراجعتي لهذا الكتاب مقتطفات من سيرته وحياته وإسهاماته على النحو التالي:
«من الدراسات الهامة التي تسد ثغرة هامة في ميدان الدراسات البيروتيّة والشامية، وفي ميدان الأبحاث التاريخية والفقهية دراسة الأستاذ محمود الحوت عن شيخ مشيخة بيروت وأحد علماء وأئمة بلاد الشام الإمام محمد ابن السيد درويش ابن السيد محمد الحوت الذي يعود بنَسَبِه إلى بطن من بطون كندة وإلى أحد ملوكها، وبالتالي فإن نَسَبه ونَسَب آل الحوت إنما يعود بجذوره إلى الدوحة النبوية الكريمة وإلى آل البيت الكرام. وقد توزعت قبائل آل الحوت مع الفتوحات الإسلاميّة في مصر وفلسطين والعراق والأردن ولبنان (بلاد الشام) والأندلس واليمن والسودان وسواها من المناطق العربيّة والإسلاميّة، ويعتبر الإمام محمد الحوت (1794 - 1860 م) من الأئمة الكبار الذين قاموا بدور رئيسي في المجالات الدينية والفقهية والاجتهادية والاحتماعية والسياسية. وقد نشأ في أسرة سادها جو العلوم والأخلاق والخدمة العامة في سبيل الأمة وتطورها. وكانت بيروت العثمانية في أوائل القرن التاسع عشر تعاني نقصًا في المدارس والعلماء، لذا كان الكثير من أبناء بيروت يحرصون على إرسال أولادهم لتلقي العلم إما في دمشق أو في الأزهر الشريف في مصر. وقد تلقى الشيخ محمد الحوت في بداية حياته العلم على بعض العلماء الأجلاّء في بيروت المحروسة نذكر منهم على سبيل المثال: الشيخ علي الفاخوري والد مفتي بيروت الشيخ عبد الباسط الفاخوري، كما تتلمذ على مفتي بيروت الشيخ عبد اللطيف فتح الله وسواهما من علماء بيروت.
وممن تتلمذ عليهم في دمشق العلاّمة الشيخ عبد الرحمن الطيبي الشافعي الصغير، والشيخ عبد الرحمن الكزبري، والعلاّمة الشيخ محمد بن عابدين، والشيخ صالح القزاز، والشيخ خليل الخشني، والشيخ أحمد بيبرس، والشمس الشيخ محمد الكزبري وسواهم من العلماء.
ولما عاد إلى بيروت أحدث الشيخ محمد الحوت تغييرًا جذريًا في ميدان الدراسات الفقهية والشرعية، وبات مرجعًا هامًا من المراجع الدينية. وقد أثبتت سجلات المحكمة الشرعية في بيروت بأنه كان من بين العلماء والمرجعيات في كثير من الفتاوى والاجتهادات الشرعية. لذا أخذ عالم بيروت وفقيهها بالتدريس والوعظ والإرشاد في الجامع العمري الكبير، وفي جامع الأمير منذر التنوخي (النوفرة) لقربه من منزله، وفي بعض الزوايا والمدارس والتكايا. ونظرًا لما أحدثه الشيخ الإمام محمد الحوت من تغيير أساسي وتطوير في البناء الفقهي والعلمي في بيروت، فقد أعطي لقب شيخ مشيخة بيروت، ولقب الإمام، ولقب الفقيه الجليل، ولقب فخر الفضلاء السيد محمد الحوت، كما عرف أيضًا باسم السيد محمد أفندي الحوت زادة، والسيد محمد الحوت البيروتي.
وممن تتلمذ عليه في بيروت المحروسة: القاضي الشاعر الأديب عمر الأنسي (1822 - 1876 م) أحد محرري صحيفة «حديقة الأخبار» وصاحب دواوين شعرية وأدبية عديدة. ومنهم الحاج حسين بيهم العيتاني (1833 - 1881 م) أحد وجهاء وزعماء بيروت، وأحد أدبائها، وهو الذي تقلد مناصب سياسية وإدارية عديدة وعضوية جمعيات ومنتديات أدبية في بيروت. ومن تلاميذه أيضًا: سماحة مفتي بيروت الشيخ عبد الباسط الفاخوري (1824 - 1905 م). ومنهم العلاّمة الأديب والشاعر الشيخ قاسم أبو الحسن الكستي (1840 - 1909 م)، ومنهم أيضًا: الشيخ عمر الفاخوري، الشيخ عمر خالد (والد مفتي الجمهورية اللبنانيّة الشيخ محمد توفيق خالد) والشيخ خضر خالد، والشيخ عبد الرحمن النحاس، والشيخ عمر محمد البربير، ونجلاه: الشيخ محمد بن محمد الحوت، والشيخ عبد الرحمن بن محمد الحوت نقيب السادة الأشراف ورئيس جمعية المقاصد الخيرية الإسلاميّة في بيروت لأكثر من مرة.
من ذرية الإمام محمد الحوت بالإضافة إلى الشيخين محمد وعبد الرحمن، الشيخ سليم والشيخ جميل. أما ابنه الأكبر فهو عبد الله. أما كريماته فقد كان زواجهن سببًا في مصاهرة مع عائلات بيروتية عديدة منها: آل الهبري، آل خالد، آل سلطان المخزومي وسواها.
أما فيما يختص بمؤلفاته، فهي كثيرة وقد بلغت حوالي (35) مؤلفًا، استطاع من خلالها إحداث نهضة علمية واجتماعية وسياسية وثقافية، توخى منها نهضة ويقظة المسلمين، والتآخي فيما بينهم، كما هدف من بعض مؤلفاته إلى ضرورة التآخي مع النصارى. من بين مؤلفاته ومخطوطاته على سبيل المثال:
1- الدرّة الوضيّة في توحيد رب البرية.
2- الرسالة الرائقة.
3- العقيدة الفائقة.
4- أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب.
5- حسن الأثر فيما فيه ضعف واختلاف من حديث وخبر أثر.
6- رسالة في حساب الكسر مع الصحيح.
7- مناسك الحج والعمرة.
8- رسالة في الحقيقة والمجاز.
9- رسالة في الكف عن لعن يزيد.
10- رسالة في الحساب.
11- رسالة في علم الفلك.
12- رسالة في الإسناد والاشتقاق.
13- حاشية على شرح ابن حجر للأربعين النووية.
14- رسالة في موضوع ظهور المهدي.
15- كتاب الوضاعون وما وضعوا.
وكان للإمام محمد الحوت (1794 - 1860 م) الكثير من المؤلفات النثرية والشعرية على السواء. وله آراء مميزة في علم التوحيد وفي العقيدة ومعرفة الله. ومن يطلع على مؤلفاته وآرائه يدرك تمامًا أن المجتمع اللبناني ما يزال حتى اليوم بحاجة إلى هذه الآراء، لا سيما عندما تصدى لمحاولات تفتيت المجتمع البيروتي في منتصف القرن التاسع عشر إثر الخلافات الحادة التي وقعت بين مفتي بيروت الشيخ عبد اللطيف فتح الله (1766 - 1844 م) وبين تلميذه القاضي والمفتي فيما بعد الشيخ أحمد الغُر (الأغر) (1783 - 1858 م). وكانت له آراء هامة في ضرورة تكاتف المجتمع السني والإسلامي. كما دعا إلى ضرورة التفاهم والتآخي بين السنّة والشيعة، لأن خلافاتهما تؤدي إلى تصدع الوحدة الإسلاميّة. وانطلاقًا من إيمانه بوحدة المجتمع البيروتي والشامي رأى الإمام محمد الحوت ضرورة العمل من أجل التآخي بين المسلمين والنصارى، لأن الاستعمار باستطاعته اختراق المجتمعات العربيّة والإسلاميّة من خلال الخلافات والصراعات سواء بين المسلمين أنفسهم، أو بين المسلمين والنصارى.
في (8 ذي الحجة 1276 ه - أواخر حزيران 1860 م)، توفي الإمام الفقيه محمد الحوت في بيروت وسط جو من الحزن والأسى والتسليم بأمر الله، وقد صُلّي عليه في الجامع العمري الكبير بمشاركة رسمية عثمانية وبيروتية وإسلامية، ثم نقل جثمانه الطاهر خارج بيروت حيث دفن في جبانة الباشوراء. وقد رثاه الكثير من الشعراء والأصدقاء منهم: الحاج حسين بيهم العيتاني، والشيخ قاسم أبو الحسن الكستي، الشيخ ناصيف اليازجي، الشيخ إبراهيم الأحدب، الشيخ محمد الشهال الطرابلسي، الشيخ محمود الخماش النابلسي، الشيخ مصطفى نجا في تقريظه كتاب «الدرة الوضيّة».
يبقى القول إن كتاب الأستاذ محمود الحوت يعتبر كتابًا نموذجًا لكتب السيرة والتراجم والأعلام، بما تميز من عمل دؤوب، وبما تميز من كثرة الوثائق والمصادر، بل تميز بأمر هام وهو كشفه لحقائق علمية تنشر للمرة الأولى، بالإضافة إلى أنه عمل من إنسان وفيٍّ لبيروت ولعلمائها إلى عالم يستحق كل الوفاء والتقدير والعرفان ب، ليس من الأستاذ محمود الحوت فحسب، وإنما من جميع أبناء بيروت».
وكان الإمام الشيخ محمد الحوت قد أعقب ذرية كريمة وصالحة منهم السادة: عبد الله، الشيخ سليم، الشيخ جميل، الشيخ محمد الذي سماه باسمه، والعالم الجليل الشيخ عبد الرحمن الحوت (1846 - 1916 م) نقيب السادة الأشراف في بيروت المحروسة. ولد في بيروت وتوفي فيها ودفن في جبانة الباشوراء. هو ابن شيخ مشيخة بيروت العلاّمة الإمام محمد الحوت صاحب الـ(35) مؤلفًا في كافة العلوم الدينية. قام الإمام عبد الرحمن الحوت (أبو عبد الله) بأعباء التعليم والهداية والعمل الاجتماعي والإسلامي. كان إمامًا للجامع العمري الكبير ونقيبًا للسادة الأشراف، ورئيسًا لجمعية المقاصد الخيرية الإسلاميّة في بيروت المحروسة لمرتين إحداها في عام (1908 م). كما كان قائمًا بمقام مفتي بيروت بين أعوام (1905 - 1909 م) إثر وفاة مفتي بيروت الشيخ عبد الباسط الفاخوري عام (1905 م)، إلى أن تم تعيين الشيخ مصطفى نجا مفتيًا بين أعوام (1909 - 1932 م).
وفد على الإمام الشيخ عبد الرحمن الحوت علماء الأمة الإسلاميّة لإجازتهم منهم على سبيل المثال: الشيخ محمد العزوزي العربي الإدريسي المغربي القادم من المغرب مع بداية الحرب العالمية الأولى عام (1914 م)، والعلاّمة الشيخ مراد ابن الحاج محمود العريس وسواهما الكثير من علماء القرنين التاسع عشر والعشرين. كما تخرج عليه جمهرة من أعلام النهضة الحديثة.
سعى العلاّمة الشيخ عبد الرحمن الحوت مع أهل الخير إلى بناء وترميم غالبية مساجد وجوامع وزوايا بيروت المحروسة منها:
1- جامع الزيدانية (الرمل - حاليًا الخليفة عمر بن الخطاب) عام (1890 م) بالتعاون مع الشيخ طه النصولي.
2- جامع زقاق البلاط عام (1893 م).
3- جامع الحرج (الحلبوني) عام (1900 م).
4- جامع قريطم عام (1909 م).
5- جامع القنطاري مع تأمين أوقاف لبنائه.
6- تأمين أوقاف لبناء جامع المصيطبة عام (1884 م).
7- بمساعيه تم إنشاء سور لجبانة الباشوراء.
8- بمساعيه تم بناء وإنشاء العديد من المدارس الإسلاميّة.
9- إعلان أوقاف خيرية وذرية.
تصاهرت عائلات بيروتية مع الشيخ عبد الرحمن الحوت عن طريق الزواج من شقيقاته، من بين هذه الأسر: الهبري، خالد، المخزومي. كان الشيخ محمد توفيق الهبري، والشيخ محمد توفيق خالد. وهما الشيخان الفاضلان يعتزان دائمًا بانتسابهما خؤولة إلى عالم بيروت وزاهدها سماحة «نقيب الأشراف قائمقامي» الشيخ عبد الرحمن الحوت. كما أن الشيخ عبد الرحمن الحوت كان خال محمد باشا حسن سلطاني المخزومي (1868 - 1931 م) عضو مجلس إدارة بيروت المحروسة الذي أنشأ مع خاله مجلة «الرياض المصرية» بالقاهرة، عام (1888 م).
كانت بيروت المحروسة والبيارتة يقدرون ويثقون بالعلاّمة الشيخ عبد الرحمن الحوت، فقدموا له كل ما أراد في سبيل النهضة العلمية والدينية والتربوية، أما على الصعيد الشخصي، فكل ما قُدم له على الصعيد الشخصي فقد تنازل عنه لصالح المسلمين في بيروت. كان عالمًا متواضعًا وجريئًا في الوقت نفسه، فبالرغم من أنه كان نقيبًا للسادة الأشراف في بيروت المحروسة، غير أنه لم يوظف منصبه لصالحه أو لمصلحة عائلته وأقاربه، أو لمصلحة الدولة. ففي فترة الحرب العالمية الأولى أراد القائد أحمد جمال باشا زيارته في منزله، ولما وفد عليه رآه يعيش في منزل متواضع يكاد يكون خاليًا من الأثاث. ورأى جمال باشا بأن الشيخ عبد الرحمن الحوت - وهو نقيب السادة الأشراف - يجلس على حصير وطراحة يتلو آيات من القرآن الكريم، فلما دخل جمال باشا، فوجئ بأن الشيخ الحوت لم يقف له، ولم ينقطع عن تلاوة القرآن الكريم إلا بعد انتهاء التلاوة. وبعد أن حادثه جمال باشا وطلب المباركة، عرض عليه فرش داره وتأثيثه بطريقة لائقة وفاخرة، غير أن الشيخ الحوت رفض ذلك وقال: «عوضًا من أن تفرش داري يا باشا. وفروا لقمة العيش للفقراء، وانقذوا الناس من الموت جوعًا، فهذا عند الله أعظم من كل شيء».
وبما أن الشيخ عبد الرحمن الحوت، كان شديد التعلق ببناء المساجد، فإنه لم يتردد مطلقًا في التضحية والمتابعة الدؤوبة من أجل هذه الغاية. ولما خصص وجهاء وأغنياء بيروت المحروسة لا سيما السيد حسن الحلبوني (وهو دمشقي الأصل) مبلغًا شهريًا لسماحته للتنقل بواسطتها بواسطة عربة خاصة حرصًا على مقامه، غير أن البيارتة استمروا في مشاهدته متنقلاً مشيًا على الأقدام، وعندما سئل: «يا شيخنا لماذا لا تركب العربة لتنقلك وتنفق من المبلغ الذي خصص لك لهذه الغاية؟» فرد الشيخ عبد الرحمن الحوت: «لقد آليت على نفسي ألا أضع هذه المبالغ تحت تصرفي لأنفقها في تنقلاتي، فقمت بضمها إلى المبالغ المخصصة لبناء جامع الحرج، وهذا ما يريح ضميري، ويكسب رضوان ربي». فإذا بالسيد حسن الحلبوني تنهمر الدموع من عينيه متأثرًا وانكب على يديه يقبلهما بحرارة.
في عام (1336 ه - 1916 م) وافى القدر علاّمة بيروت المحروسة ونقيب سادتها الأشراف، فشيع في موكب حاشد لم تشهد بيروت له مثيلاً بعد أن صلي عليه في الجامع العمري الكبير، وشيع إلى مثواه الأخير في جبانة الباشوراء (تربة سيدنا عمر). رثاه الشيخ عبد الرحمن قريطم عضو محكمة التمييز الشرعية في بيروت المحروسة.
برز من أسرة الحوت في العهد العثماني أيضًا محرر القسم العربي في صحيفة بيروت الرسمية عام (1888 م) السيد عبد الرحمن حقي بك الحوت باش كاتب مجلس ولاية بيروت، ومن ثم رئيس ديوان مجلس إدارة ولاية بيروت. وقد صنف عام (1904 م) أنه من الرتبة الأولى، يحمل النيشان العثماني والميدالية الحجازية. كما عيّن متصرفًا للواء نابلس في العهد العثماني. كما برز من الأسرة في العهد العثماني السيد محمد مصباح الحوت ملتزم طباعة كتاب العلاّمة الشيخ محمد الحوت «الدرة الوضية في توحيد رب البرية» في عهد السلطان عبد الحميد الثاني.
كما برز في العهد العثماني في القرن العشرين السيد سليم يوسف الحوت (1869 - 1949 م) عميد آل الحوت الأسبق، سبق أن رحل من بيروت المحروسة إلى مدينة يافا وتزوج هناك من سيدة من أصل مصري هي السيدة زينب ابنة التاجر المعتبر الحاج يوسف صابر. وإثر أحداث فلسطين عام (1948 م) عاد السيد سليم الحوت مع أبنائه وأحفاده من يافا إلى بيروت، وما هي إلا فترة حتى توفي في رحاب مدينته المحروسة في (23 آب عام 1949 م). وكان لوفاته أثر بالغ في بيروت ولبنان ويافا وفلسطين ومصر وسوريا والعالم العربي، ونشرت الصحف خبر وفاته لا سيما صحيفة «الدفاع» في يافا في عددها في 30 آب 1949 م).
دفن المرحوم سليم يوسف الحوت في جبانة الباشوراء بالقرب من رفات أجداده وآبائه وأبنائه. ترك ذرية صالحة ممثلة بأولاده السادة: إبراهيم، خليل، يوسف، أحمد، المربي والمفكر الكبير محمود الحوت، ومحمد الحوت.
ولا بد من الإشارة إلى كلمة وفاء للمربي الكبير السيد محمود الحوت (1917 - 1999 م) الذي كان لنا شرف التعرف به، والاطلاع على مؤلفاته.
فهو من مواليد يافا عام (1917 م) على اعتبار أن والده كان مقيمًا فيها، غير أنه تابع دراسته في الجامعة الأميركية في بيروت. أقام في بيروت، وعمل في مدارس جمعية المقاصد الخيرية الإسلاميّة في بيروت، ثم أصبح مفتشًا تربويًا في مدارسها وكلياتها. له العديد من الإسهامات العلمية والتربوية والإبداعية والشعرية. من مؤلفاته:
1- شيخ بيروت العلامة الإمام محمد الحوت.
2- المهزلة العربيّة.
3- في طريق الميثولوجيا عند العرب.
4- ملاحم عربية.
5- اللهب الكافر (شعر).
6- الخنجر السحري (شعر) مشهدية من ستة فصول.
7- قصة عائدة، تعريب عن الفيلسوف الإنكليزي جون رسكن.
8- تعريب كتاب د. مصطفى خالدي «حاضر لبنان المسلم» صادر عن جامعة بيروت العربيّة عام (1977 م).
والأمر الملاحظ، أنه من خلال اطلاعي على وثائق سجلات المحكمة الشرعية في بيروت المحروسة وبعض الوثائق والمستندات الأخرى، فقد تبين لي بأن بيروت في العهد العثماني عرفت أكثر من اسم يحمل اسم عبد الرحمن الحوت منهم:
1- العلامة الجليل الشيخ عبد الرحمن الحوت (1846 - 1916 م) نقيب السادة الأشراف عام (1843 م).
2- السيد عبد الرحمن الحوت (مواليد بيروت قبل عام 1846 م) المتوطن عام (1843 م) في باطن بيروت ضمن أوقاف جامع الدباغة.
3- السيد عبد الرحمن حقي بك الحوت أحد كبار موظفي الدولة العثمانية.
كما عرفت بيروت في القرن العشرين.
4- السيد عبد الرحمن عمر الحوت مدير عام الأوقاف الإسلاميّة بالوكالة، رئيس جمعية الإصلاح في منطقة الطريق الجديدة. فاعل وناشط في الشؤون الدينية والسياسية والإصلاحية والاجتماعية والاقتصادية. كان رحمه الله جريئًا إصلاحيًا متفاعلاً مع مطالب بيروت والبيارتة. وكانت جمعية الإصلاح - وما تزال - تقدم مختلف الخدمات الطبية والصحية والإنسانية والاجتماعية والمهنية، وتعليم الفتيات المهن والفنون والكمبيوتر التي تساعدهن على تأمين حاضرهم ومستقبلهم.
قدّم عدة مذكرات ومطالب اجتماعية لرؤساء الجمهورية ورؤساء الوزراء ومفتي الجمهورية اللبنانيّة. له عدة مؤلفات منها على سبيل المثال: «الجوامع والمساجد الشريفة في بيروت عام (1966 م)»، وكتاب «الأوقاف الإسلاميّة في لبنان».
وبرز في العهد العثماني من أسرة الحوت السيد أحمد الحوت. ومن الملاحظ أن فرعًا من آل الحوت عرف في منتصف القرن التاسع عشر باسم بولاد الحوت. وفيما بعد لا سيما في الإحصاء السكاني عام (1932 م) بدأت بيروت تعرف فرع بولاد منفصلاً عن الأسرة الأم الحوت. كما يلاحظ بأن طرابلس وبيروت عرفت أسرة إسلامية باسم بولاد الطرابلسي، كما عرفت عكار أسرة مسيحية باسم بولاد، وليست تلك الأسرة على صلة نَسَب مع آل الحوت وبولاد الحوت البيروتيّة. كما عرف من الأسرة في العهد العثماني أحمد الحوت شيخ النجارين في بيروت المحروسة عام (1847 م).
ومن الأهمية بمكان القول، بأن بيروت المحروسة شهدت في القرن التاسع عشر والقرن العشرين إلى القرن الحادي والعشرين الكثير من أعلام وعلماء آل الحوت الذين أثروا الحياة الدينية والعلمية والفكرية والقانونية والسياسية، ومن الصعب حصر جميع هؤلاء الأعلام والعلماء.
برز من الأسرة حديثًا السادة: المناضل الأستاذ شفيق الحوت رئيس منظمة التحرير الفلسطينية السابق في بيروت والقائم بشؤونها لسنوات طويلة، والمحامي اللامع الأستاذ سعد الدين جميل الحوت أحد أبرز المحامين في بيروت المحروسة، عضو ناشط في نقابة المحامين والجمعيات والاتحادات والمؤسسات البيروتيّة، ومن بينها اتحاد جمعيات العائلات البيروتيّة، رئيس جمعية آل الحوت. وعرف من أعضاء الهيئة الإدارية لجمعية آل الحوت السادة: الشيخ الدكتور إبراهيم أنور الحوت خطيب جامع بيضون في الأشرفية، الطبيب الدكتور عبد الرحمن حسن الحوت، السيدة آمال أمين الحوت، السيد جميل محمد كمال الحوت، السيد باسم محمد الحوت، والسادة: هشام محمد، زهير عدنان، محمد علي منير، محمد ديب محمود، إبراهيم محمد نعيم، عادل عمر الحوت شقيق المرحوم عبد الرحمن الحوت وعم الأستاذ محمد عبد الرحمن الحوت، والحاج عادل الحوت هو أحد المسؤولين في طيران الشرق الأوسط.
برز في ميدان الصحافة عبد الرحمن الحوت وعدنان يوسف الحوت.
وعرف من أسرة الحوت الأستاذ محمد عبد الرحمن الحوت رئيس مجلس إدارة الشرق الأوسط، أحد متخرجي الجامعة الأميركية، مسؤول سابق في مصرف لبنان، عضو تجمع بيروت، رئيس جمعية الإصلاح في منطقة الطريق الجديدة. استطاع بإدارته الرشيدة تطوير وتنمية شركة طيران الشرق الأوسط، عُرف بعلمه وإدارته وجرأته اللافتة كوالده السيد عبد الرحمن الحوت.
وعرف من الأسرة أيضًا الشيخ الدكتور كمال الحوت رئيس جمعية السادة الأشراف في لبنان. له مؤلفات عديدة واهتمامات بأنساب السادة الأشراف في بيروت المحروسة وبلاد الشام. من بين مؤلفاته: «جامع الدرر البهية لأنساب القرشيين في البلاد الشامية». وعرف من الأسرة أيضًا السادة: المختار محمود الحوت وأنجاله السادة: الطبيب الدكتور عبد الفتاح الحوت، والمختار المحامي باسم الحوت، والطبيب الدكتور سامر الحوت.
وعرف من الأسرة المرحوم الحاج أحمد أنيس الحوت المتوفى في (22 أيار عام 2009 م) وأنجاله السادة: أنيس، الحاج عدنان، الحاج عصام، الحاج محمود، الحاج محمد. أشقاؤه السادة: الحاج رياض، الحاج منير، حسان، الحاج محمد يحيى، والمرحومون الحاج سمير ووفيق وإبراهيم الحوت. كما عرف من الأسرة المرحوم نعيم إبراهيم الحوت المتوفى في (28 حزيران 2009 م) وأنجاله السادة: أكرم جمال، عزيز، أشقاؤه السادة: شفيق الحوت والمرحومين مصطفى وجمال وشقيقته الحاجة سلوى الحوت.
وبرز من أسرة الحوت الطبيب الدكتور عماد مدحت الحوت مواليد بيروت عام (1962 م). أصبح نائبًا عن بيروت المحروسة - الدائرة الثالثة في دورة حزيران (2009 م) كمرشح عن الجماعة الإسلاميّة. طبيب جرّاح متخرج من الجامعات الفرنسية. محاضر في الجامعة اللبنانيّة والأكاديمية الباريسية. عضو المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى ابتداء من عام (2006 م)، والأمين العام المساعد لاتحاد الأطباء العرب، رئيس الجمعية الطبية الإسلاميّة، عضو جمعية التربية الإسلاميّة - مدارس الإيمان، رئيس جمعية الأمل للرعاية والتنمية الاجتماعية، رئيس تجمع الإصلاح للأطباء، عضو المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، عضو لجنة العلاقات العربيّة والدولية في نقابة الأطباء، منسق الهيئة الأهلية للإغاثة والطوارىء أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان عام (2006 م). عضو «تكتل لبنان أولاً» النيابي برئاسة دولة الرئيس سعد الحريري. كان في المرحلة الثانوية أحد طلاب ثانوية البر والإحسان في منطقة الطريق الجديدة.
وعُرف من أسرة الحوت حديثًا السادة: بديع يوسف، بشير يوسف، جمال أحمد، جمال جمال، جمال منير، حسام الدين، الشيخ خالد، خضر محمد، خليل سليم، ربيع مدحت، ربيع يوسف، رشيد عبد الحفيظ، رياض أحمد، زهير عدنان، زياد إبراهيم، سمير أنيس، صلاح الدين، عادل خليل، عاصم مدحت، عبد الحميد مدحت، عبد الرحمن، عبد الرحمن أنور، عبد الفتاح إبراهيم، عصام أحمد، عمر كامل، غسان زياد، فادي عمر فاروق، كمال يوسف، ماهر سمير، محمد إبراهيم، محمد أحمد، محمد أنيس، الطبيب الدكتور محمد ديب محمود الحوت، محمد عصام حسن، محمد علي رياض، محمد علي منير، محمد نعيم عبد الفتاح، محمود، محمود أحمد، محمود عفيف، محمود عمر، الطبيب الدكتور محمود محمد الحوت، محيي الدين عبد الرحمن، مختار، مروان محمد، منير علي، نظير محمد، نمر محمود، هادر شفيق، هشام محمد، وفيق أنيس، وليد عمر، وليد منير، يحيى أنيس الحوت وسواهم الكثير في بيروت ولبنان والعالم العربي.
ولا بد من الإشارة، بأن مجلسبلدية بيروت، ومنذ عشرات السنين، وتكريمًا لعلماء آل الحوت ودورهم في بيروت المحروسة لا سيما العلاّمة الإمام محمد الحوت، فقد أطلقت على شارع مهم في منطقة رأس النبع اسم «شارع محمد الحوت». كما أطلق المجلس البلدي منذ سنوات قليلة على الشارع الممتد من تقاطع المدينة الرياضية (شارع غانا) حتى تقاطع شارع الخرطوم في منطقة الطريق الجديدة اسم شارع عبد الرحمن الحوت، والمقصود به هنا عبد الرحمن الحوت رئيس جمعية الإصلاح السابق، مدير عام الأوقاف الإسلاميّة بالوكالة، والد السيد محمد الحوت رئيس مجلس إدارة الشرق الأوسط، وذلك تكريمًا لإسهاماته وإنجازاته ودوره الاجتماعي.
وبرز من أسرة الحوت المناضل السيد شفيق الحوت (1932 - 2009 م) ولد في (بيروت 13 كانون الثاني عام 1932 م) في مدينة يافا في فلسطين، بعد أن كان أحد أجداده قد هاجر من بيروت إلى فلسطين في العهد العثماني. ونظرًا للظروف والمحن التي ألمّت بفلسطين، فقد اضطرت أسرته للعودة إلى بيروت عام (1948 م)، بعد أن كان قد أنهى دراسته الثانوية في المدرسة العامرية في يافا. لذا التحق في بيروت في الجامعة الأميركية عام (1948 م)، وتخرج منها عام (1956 م).
عمل شفيق الحوت مدرسًا في مدارس جمعية المقاصد الخيرية الإسلاميّة في بيروت حتى عام (1956 م)، ثم انتقل للعمل مدرسًا في الكويت حتى عام (1958 م). ولما عاد إلى بيروت مجددًا عمل في ميدان الصحافة، فتولى منصب مدير تحرير مجلة «الحوادث» اللبنانيّة، واستمر في هذا المنصب حتى عام (1964 م).
في عام (1963 م) أسس جبهة التحرير الفلسطينية (طريق العودة)، كما كان أحد مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية، وشارك في مؤتمرها التأسيسي الذي عقد في مدينة القدس في (28 أيار عام 1964 م)، وأصبح عضوًا في المجلس الوطني الفلسطيني حتى وفاته في (بيروت يوم الأحد في 2 آب 2009 م).
عُيّن في أول اجتماع للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً ومديرًا لمكتب المنظمة في لبنان. انتخب عضوًا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بين أعوام (1966 - 1968 م) وبين أعوام (1991 - 1993 م) وبعد اتفاق أوسلو السري بين قادة المنظمة والكيان الصهيوني استقال شفيق الحوت من منصبه محتجًا على هذا الاتفاق.
عُيّن ناطقًا رسميًا باسم المنظمة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام (1974 م) حتى عام (1992 م). مثّل المنظمة في الكثير من المؤتمرات والندوات اللبنانيّة والعربيّة والدولية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن شفيق الحوت رحمه الله كان عضوًا في اللقاء الثقافي الفلسطيني منذ تأسيسه في بيروت عام (1992 م)، وفي المؤتمر القومي العربي عام (1992 م)، وفي المؤتمر القومي - الإسلامي عام (1996 م)، وفي مؤسسة القدس عام (2001 م)، وفي مؤتمر حق العودة عام (2002 م).
له العديد من الدراسات والمؤلفات والبحوث المتعلقة بقضية فلسطين وبالصراع العربي - الصهيوني. صُلي على جثمانه الشريف في مسجد الإمام علي t في منطقة الطريق الجديدة يوم (الاثنين في 3 آب 2009 م)، ووري الثري في جبانة شهداء فلسطين عند مستديرة شاتيلا وسط مشاركة رسمية وشعبية حاشدة لبنانية وفلسطينية.
والحوت لغةً واصطلاحًا أطلقها العرب القدامى على جد أحد رؤساء القبائل اليمنية والخليجية والعربيّة، لتميزه بالقوة والجرأة، كما أن الحوت والحوتة نوع من أنواع الأسماك الضخمة وجمعها حيتان. أما الحوث بالثاء فهو مصطلح أطلقه العرب على الرجل الذي يستحث الأرض ويستثمرها ويسيطر عليها، كما أن الحوثي هو القادر على تفريق الأعداء.
وبما أن الشيخ عبد الرحمن الحوت، كان شديد التعلق ببناء المساجد، فإنه لم يتردد مطلقاً في التضحية والمتابعة الدؤوبة من أجل هذه الغاية. ولما خصّص وجهاء وأغنياء بيروت المحروسة لا سيما السيّد حسن الحلبوني (وهو دمشقي الأصل) مبلغاُ شهرياً لسماحته للتنقل بواسطتها بواسطة عربة خاصة حرصاً على مقامه، غير أن البيارتة استمروا في مشاهدته متنقلاُ مشياً على الأقدام، وعندما سئل: «يا شيخنا لماذا لا تركب العربيّة لتنقلك وتنفق من المبلغ الذي خصّص لك لهذه الغاية؟ » فرد الشيخ عبد الرحمن الحوت: «لقد آليت على نفسي ألا أضع هذه المبالغ تحت تصرفي لأنفقها في تنقلاتي، فقمت بضمها إلى المبالغ المخصّصة لبناء جامع الحرج، وهذا ما يريح ضميري، ويكسب رضوان ربي».
كانت وفاته في بيروت سنة 1276هـ 1859م وفي بعض الأقوال سنة 1277هـ 1860م ودُفن بجبانة سيدنا عمر الشهيرة بـ الباشورة .
عند وفاته حزن عليه الناس من قريب وبعيد ورثاه العلماء والأدباء المسلمون والنصارى، فقد جاء في المقالات التي نشرها تباعاً في مجلة الجنان المؤرخ النصراني داوود كنعان تحت عنوان (جواهر ياقوت في تاريخ بيروت) قوله :
الشيخ مُحَمّد الحوت كان فريد عصره ووحيد دهره، وكان إماماً في الجامع العمري الكبير في بيروت وعالماً في التفسير والحديث والفقه والعلوم الدينيّة والأدبيّة، وله فيها تآليف شهيرة، وقد رثاه الشاعر الشيخ ناصيف اليازجي بقصيدة طويلة قال فيها:
قف فوق رابية تجاه المسجد | وقل السلام على ضريح مُحَمّد |
واتل الفواتح فوق تربته التي | حفت بأملاك ، تـروح وتغتديِ |
هذا صفي الله ، خير عبـاده | وأبرّ كل موحد متعبـــــد |
ما زال يسعى كل يوم باحثاً | في يومه عما يحاسب في غـدِ |
يا أيها الميْت الذي يبقى له | في أرضنا ذكر ليـوم الموعـد |
قدمتَّ في الدنيا كأنك لم تمت | والبعض مات ، كأنه لم يولـد |