آل ديّه
من الأسر الاسلامية البيروتية واللبنانية والعربية، تعود بجذورها إلى عشائر اليمن وشبه الجزيرة العربية، وقد اسهمت في فتوحات مصر وبلاد الشام والعراق والمغرب العربي والأندلس، وعاد فرع من الأسرة من المغرب العربي إلى دمشق، ومن دمشق إلى بيروت المحروسة منذ العصور الوسطى للدفاع عن الثغور الاسلامية، وما يزال في المغرب العربي لا سيما الجزائر أسرة دية وأبو دية. وأسرة ديّة من الأسر الشريفة المنسوبة إلى آل البيت النبوي الشريف، ويتصل نسبها بالامام الحسن (رضي الله عنه) من طريق مولانا إدريس الأكبر (باني مدينة فاس) بن عبد الله المحض ابن السيد الحسن المثنى ابن الامام الحسن (رضي الله عنهم).
ونظرًا للجذور التاريخية للأسرة سواء من الناحية الدينية أو النسب الشريف، أو الاسهام في الفتوحات العربية والاسلامية، فقد تولى أحد رؤساء العشيرة مسؤولية دفع الديّات لذوي من يُقتل ظلمًا أو خطأ، واستمر هذا المنصب يتوارث من جيل إلى جيل إلى العهد العثماني، لذلك أطلق على أحد فروع هذه العشيرة اسم «ديّه» وفرع آخر باسم «ديّه منجا» أي الذي نجّا القاتل بواسطة دفع الديّه. كما تولى أحد وجهاء أسرة ديّه في العهد العثماني مسؤولية فتح وإقفال أحد أبواب بيروت السبعة والعناية به وإنارته ليلاً، وذلك بتكليف من والي بيروت المحروسة.
ويشير الأمير حيدر الشهابي، من أن الأمير يوسف الشهابي قد هاجم الشيخ عبد السلام عماد والشيخ حسين تلحوق في بيروت عام 1187 ه - 1773 م، وأقالهما من ولايتهما لقلعة بيروت، بسبب تأييدهما وميلهما لأحمد باشا الجزار، وقد اقام محافظًا من قبله رجلاً من وجوه أهل البلدة هو السيد صادق ديّه. ومن ثم اطمأن الأمير يوسف الشهابي على بيروت المحروسة «ونهض منها راجعًا إلى دير القمر واستقر حاله فيها بعد ذلك استقرارًا حسنًا».
وأضاف الأمير حيدر الشهابي في كتابه المشار إليه، بأن الأوضاع العسكرية عام 1219 ه - 1804 م. كانت متأزمة، وكان رموز الأزمة أحمد باشا الجزار والأمير بشير الشهابي والوالي سليمان باشا والقائد ابراهيم باشا. وبعد وصول عسكر ابراهيم باشا إلى بيروت اجتمع به أعيان بيروت ومتسلم البلدة عبد الله آغا دية متسلم بيروت ودزدار قلعة بيروت في عهد أحمد باشا الجزار، لذلك فن متسلم بيروت غادرها متوجهًا إلى بلدة غزير خوفًا من انتقام سليمان باشا الذي استولى على عكا بعد وفاة الجزار عام 1804. وأشار الأمير حيدر الشهابي أيضًا بأن عبد الله آغا دية قد لجأ إلى جبل الدروز، ولقبّه الأمير حيدر الشهابي بأنه «كان متسلمًا في بيروت ومن أكابر البلد».
ولا بد من الإشارة إلى أن الأمير حيدر الشهابي أشار في كتابه أكثر من مرة إلى أنه عبد الله آغا ابن أبو دية. وفي نسخة أخرى لمخطوط الكتاب، أشار إلى أنه عبد الله آغا دية.
وأشارت وثائق سجلات المحكمة الشرعية في بيروت المحروسة عام 1259 ه - 1260 ه - 1843 - 1844 م إلى:
1- السيد اسماعيل ديه صاحب الدكان الشهير في سوق العطارين.
2- السيد حسن ابن السيد حمزة ديه أحد شهود الحال على صلح وقسمة شرعية.
3- السيد حسن ابن السيد محمد الجندي ديه أحد شهود الحال على عملية بيع أرض.
4- السيد الحاج محمد منجا ديه أحد شهود الحال على عملية شراء أرض لمفتي بيروت الشيخ محمد أفندي الحلواني.
كما أوردت سجلات الأوقاف الاسلامية أسماء لآل ديه في باطن بيروت في القرن التاسع عشر منهم على سبيل المثال السادة: أحمد، حامدة، الحاج حسين، الحاج درويش، الحاج يحي دية.
من جهة ثانية، فقد أظهرت وثائق العهد العثماني إلى أنه كان لبني دية في باطن بيروت محلة باسمهم عرفت باسم «محلة بني ديه» قبل زاوية المغاربة كما أورد السجل 1281 - 1282 ه إلى أن السيد حسين بن حمزة ديه قد اشترى قيراطًا من أصل (24) من فرن في محلة سوق الدركاه في باطن بيروت ملك الحاج أحمد بن الحاج خليل يموت. هذا، وقد أشارت وثائق سجلات المحكمة الشرعية في بيروت والمصادر التاريخية إلى الكثير من آل ديّة منهم الشاعر الأديب لطفي ديّه، والتاجر أحمد اسماعيل علي ديّة أحد تجار شارع الفشخة في باطن بيروت (شارع ويغان فيما بعد) قرب مبنى بلدية بيروت. كما أوقف الحاج درويش أبو ديّه وقفًا على منزله سجل في عام 1863، من أجل انشاء سبيل مياه في بيروت لوجه الله تعالى. كما أوقف السيد حسين بن حمزة ديه عام 1282 ه دكاكين في سوق الدلالين على وجوه البر والخير. كما برز من آل ديّه السيد محمد ديّه أحد مؤسسي جمعية المقاصد الخيرية الاسلامية في بيروت عام 1295 ه - 1878 م، وأحد أقاربه السيد سعيد الجندي وسواهم من المقاصديين الأوائل. كما برز من آل ديّه السيد خليل ديّه الذي انتخب عام 1881 عضوًا في مجلس إدارة لواء بيروت، كما أصبح عام 1882 عضوًا في لجنة قومسيون أملاك بيروت. كما عرف من الأسرة السيد حسين ابن المرحوم حمزة أبي ديه الذي كان عام 1845 على علاقة مع مفتي بيروت وقاضيها الشيخ أحمد الأغر. وممن برز من آل ديّه في العهد العثماني القبطان العسكري عبد الكريم ديّه - شقيق الحاج موسى ديّه - وكان قبطانًا على الباخرة العسكرية العثمانية «عون الله» التي أغرقها الاسطول الايطالي في ميناء بيروت عام 1912، ومن أدباء آل ديّه الشاعر مليح ديّه الذي ألف عام 1931 أغنية شعبية لحنها الملحن المشهور نقولا المني.
هذا، وقد برز من آل ديّه السيد رسلان ديّه عضو محكمة الاستئناف في بيروت عام 1892، وأحمد ديّه مختار زقاق البلاط عام 1921. وممن عرف من الأسرة حديثًا السادة: احسان أحمد، اشرف وفيق، أنيس، ثروت، جمال مصباح، جميل خليل، الطبيب الدكتور جميل محمد رفيق، حسان تيسير، حسن خضر، حسني رسلان، حمزة مليح، خضر، خليل محيي الدين، داوود رشيد، رشدي عبد الغني، سمير حسني، سمير خليل، سمير منير، طلال خضر، عادل سميح، عبد الرحمن داوود، عبد الغني رشدي، عدنان أنور، عماد وجيه، غسان خضر، فاروق، محمد بلال مصباح، محمد جميل، محمد رفيق، محيي الدين خليل، مروان ثروت، مصباح توفيق، منير حسني، نصير منير، وفيق أشؤ=رف، وليد محيي الدين ديه وسواهم الكثير. أما الديّه لغة واصطلاحًا، فكما سبق أن ذكرنا، فإن أحد وجهاء الأسرة أعطي شرف الاشراف على دفع «الديات» في حال حدوث حوادث قتل: لهذا أعطي الجد نفسه لقب «الجندي ديه» ولقب «منجاديّه» أي الذي يسهم في نجاة من يدفع الدية.
قصائد مفتي بيروت المحروسة الشيخ عبد اللطيف فتح الله في حكام آل ديّه
قام رجالات آل ديّة باسهامات سياسية وعسكرية واجتماعية ودينية بارزة سواء في بيروت المحروسة أو في الولايات العثمانية كافة، لهذا أعجب مفتي بيروت الشيخ عبد اللطيف فتح الله (1766 - 1844) بحكامهم ورجالاتهم، ونظم فيهم شعرًا منه على سبيل المثال:
1- رثاء علي آغا ديّه حاكم (دزدار) قلعة بيروت، وقد لقبه بجناب شمس المعالي والكمال، وبدر المحاسن والجمال، فخر أمثاله السيد علي آغا ديّه الدزدار... قال فيه
بكل الورى آمرُ المنونِ فنافذُ
وفيها المنايا بالسهام تُراشقُ
وكل مليكٍ سوف يسرحلُ ظاعنًا
ولا بد يومًا للحياةِ يُفارقُ
هلالُ العلى قد غاب مُذ لاحَ شارقًا
لهذا أرى بالدمعِ أني شارقُ
علي السجايا ابن المكارم والندى
همام به دلّت أنوفٌ شواهقُ
قد اسودت الأكوانُ عند فراقه
كما أنه ابيضت لديه المفارقُ
قفا نبكِهِ عامًا وعامًا ننوحُه
ونندبُه مِنًا قلوبٌ خوافقُ
وعوجًا على قبرٍ لقد ضم جسمَه
يفوحُ به طيبٌ لمن هو ناشقُ
ونظم المفتي عبد اللطيف فتح الله مادحًا السيد عبد الله آغا ديّه دزدار قلعة بيروت.
أكرمتَ عبد الله بالشرف العلي
ومُنحتَ فيه بقلةِ الأشباهِ
يكفيكَ أنكَ للأماجد سَيِّدٌ
يسمو وإن لا زلتَ عبد الله
ونظم مادحًا الشاعر السيد لطف الله ديّة:
لا شك لطفُ الله يخلو عن الأشباهِ
لو ضاقَ بي أمرٌ فما لي غيرُ لطف اللهِ
قصائد الشاعر الشيخ ناصيف اليازجي في رجالات آل ديّه
بعد أن قام الحاج درويش أبو ديّه عام 1863 بوقف أحد الأوقاف للإنفاق على سبيل ماء بادر الشيخ ناصيف اليازجي بمدحه ونظم شعرًا قائلاً:
أجرى أبو الديّه الخياط مكرمة
سبيل ماء عليه الأجر مقصودُ
يا منهلا قال بالتأريخ ناهلُهُ
من شيمةِ الحَسَن الاحسان والجودُ
وبمناسبة زواج السيد محمد ديّه عام 1866 نظم الشيخ ناصيف اليازجي شعرًا قائلاً:
أبدى محمد ديّه بزفافه
يومًا نهارُ العيد منه قد استحى
يا حبذا يومٌ على بدر الدجى
في سعدِ تأريخ جلا شمسَ الضحى