آل الزعني
من الأسر الإسلاميّة والمسيحيّة البيروتيّة واللبنانيّة والعربيّة التي تعود بجذورها للقبائل العربيّة التي أسهمت في فتوحات مصر وبلاد الشام والمغرب العربي والأندلس. ويذكر بأن قبيلة «زِعنا» بطن من بني عامر بن صعصعة، من العدنانية، كانوا ينزلون في صعيد مصر. لذا فأسرة الزعني البيروتيّة من جذور مصرية، توطنت في بيروت المحروسة في العهد العثماني.
هذا وقد شهد منتصف القرن التاسع عشر توطن أسرة الزعني المصرية في بيروت المحروسة، وأشارت وثائق سجلات المحكمة الشرعية في بيروت إلى بعض أفراد الزعني منهم الحاج خليل المكحل الزعني أحد شهود الحال على عملية بيع أرض في منطقة الصيفي عام 1259 هــ - 1843 م. وورد اسمه في قضية أخرى على أنه الحاج خليل بن محمد المكحل. كما أشارت السجلات إلى السيدة خان زادة الزعني صاحبة عقار في منطقة الثكنات على ربوة بيروت المحروسة. كما أشارت عام 1876 م إلى الشهيد سليم علي الزعني من منطقة زقاق البلاط أحد شهداء بيروت في الحرب الروسية – العثمانية. ومما يلاحظ من تلك الوثائق، بأن أحد فروع آل الزعني لقب باسم المكحل، وهو لقب مهنة أحد أجداد هذا الفرع. كما عرف من الأسرة عباس زعني ونجله يوسف بن عباس زعني منذ عام 1843 م.
وبرز من أسرة الزعني في العهد العثماني الطبيب الدكتور ضاهر بك الزعني طبيب السلطان العثماني، والشيخ حافظ الزعني. كما برز الدكتور راجي الزعني.
ونظراً للعلاقات التاريخية بين مصر وبلاد الشام، فقد توطن في بيروت المحروسة في العهد العثماني لا سيما في فترة الحكم المصري (1831 – 1840) عمر الزعني الجد الذي تزوج في بيروت وأنجب عدة أولاد منهم الشيخ محمد عمر الزعني الذي كان عالماً، وفي الوقت نفسه كان تاجراً للحبوب في محلة ميناء القمح أحد موانئ بيروت في العهد العثماني. كان شاذلياً، له تلامذة يقصدونه للتفقه في الدين الإسلامي، ولحل مشكلاتهم الحياتية والاجتماعية والدينية.
تزوج الشيخ محمد عمر الزعني من السيدة بهية المغربل في أواخر القرن التاسع عشر، وقد أنجب منها عمر الزعني 1898 الذي سمي على اسم جده، وسعد الدين الزعني...
تلقى عمر الزعني العلم منذ نعومة أظافره على والده الشيخ محمد الزعني، وفي الكتاتيب إلى أن ألحقه والده في الثامنة من عمره في الكلية العثمانية في محلة برج أبي حيدر التي أسسها العلامة الشيخ أحمد عباس الأزهري. وكان مع عمر الزعني الكثير من رفاق دربه في الميادين الوطنية والقومية والعلمية منهم الأديب عمر فاخوري، والشهيد الشاعر عمر حمد، والشهيدان الشقيقان محمد ومحمود المحمصاني، والشهيد عبد الغني العريسي، والشهيد عبد الكريم الخليل، والشهيد عبد القادر الخرسا، والرئيس عبد الله اليافي، والرئيس رياض الصلح، والنائب رشيد بيضون، والنائب والوزير عبد الله المشنوق والرئيس تقي الدين الصلح، والدكتور نسيب البربير وسواهم الكثير.
في عام 1914 وبعد أن أعلنت الحرب العالمية الأولى، تم تجنيد عمر الزعني في الجيش العثماني، وأدخل المدرسة الحربية في حمص حيث تخرج منها ضابطاً إدارياً برتبة ملازم، وعين مديراً للإعاشة لتأمين الطعام للجند في الشام، وقد تنقل عمر خلال هذه الفترة من دمشق وحمص إلى القدس وبئر السبع في فلسطين وسواها.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918 عاد عمر إلى بيروت المحروسة وعمل مع والده في تحمل أبعاء الأسرة، فمارس التدريس في عدة مؤسسات تربوية في مقدمتها:
1 – الكلية العثمانية التي تبدل اسمها بعد الحرب لتصبح الكلية الإسلاميّة.
2 – المدرسة التوفيقية لصاحبها الشيخ محمد توفيق خالد (مفتي الجمهورية، فيما بعد).
3 – المدرسة الأهلية لصاحبتها الآنسة ماري كسّاب.
في عام 1922 عمل عمر الزعني كاتباً في محكمة البداية في بيروت، ونال فيما بعد منحة دراسية من جمعية المقاصد الخيرية الإسلاميّة في بيروت لدراسة الحقوق في الجامعة اليسوعية، والتحق بكلية الحقوق بعد فوزه في امتحان الدخول.
ومما يلاحظ، بأن عمر الزعني منذ أن كان في الكلية العثمانية ظهرت خصائص نبوغه الشعري والنقدي، وازداد هذا النبوغ عندما بدأ بنقد تصرفات الانتداب الفرنسي والفساد الاجتماعي، غير أنه حرص على نشر شعره الناقد باسم مستعار هو «حنين» تيمناً بالشاعر العربي حنين بن بلوع الحيري الشاعر المغني.
في عهد الرئيس اللبناني شارل دباس صدر قرار تأديبي بحق عمر الزعني تأديباً على شعره وغنائه النقدي بسبب أغنيته «بدنا بحرية يا ريس» فصدر القرار بنقله من وظيفته من بيروت إلى محكمة البترون، لأن تلك الأغنية أغضبت سلطان الانتداب، غير أنه لم ينفذ قرار النقل، بل استقال من وظيفته. كما تعرض للاضطهاد أو السجن أكثر من مرة بسبب أغانيه النقدية، فسجن في عهد الرئيس بشارة الخوري (1943 – 1952) بسبب أغنيته الناقدة «جدّد له».
لقد عانى عمر الزعني طيلة حياته من فساد ثلاث سلطات تمثلت بالسلطات التالية:
1 – السلطة العثمانية.
2 – السلطة الفرنسية.
3 – السلطة اللبنانيّة.
بالإضافة إلى ذلك، فقد عانى من الحكام وأمراء الحكم لعدم تقديرهم العلم والعلماء، وعانى من فساد المجتمع، وعانى من قلة المال والجحود، وعانى من السلطات الاستعمارية والصهيونية على غرار معاناة كل وطني وعربي، وبكلمة موجزة فإن قصائد عمر الزعني تجسد معاناته وآماله وطموحه، وتجسدها ما كان يتمناه من إصلاح المجتمع والقضاء على الفساد. لذلك تميز بجرأة نادرة دعته لتوجيه النقد إلى أي مسؤول مهما بلغ شأنه، لهذا اعتقل وسجن واضطهد أكثر من مرة سواء في عهد الانتداب الفرنسي أو في عهود الاستقلال، وسجن الرمل في منطقة الطريق الجديدة كان الشاهد الأكبر على معاناة الرجل.
لقد تيسر له الزواج من سيدة فاضلة هي السيدة بهية ضيا الحمزاوي من صيدا، وأنجب منها، وانصرف إلى تربية ولديه محمد ودلال، ثم قدر له بناء منزل متواضع في محل رمل الظريف حيث أطلقت بلدية بيروت اسمه تكريماً ووفاءً له ولإسهاماته الشعرية والغنائية والإصلاحية. لقد استمر عمر الزعني بين أعوام 1918 – 1961 ناقداً شعبياً وناطقاً باسم الشعب وآماله وطموحاته، معبراً عن مطالبه، وذلك حتى وفاته في 11 شباط من عام 1961.
شاعر الشعب عمر الزعني