آل ميقاتي
منسوبون للإمام زين العابدين..
برزوا في السياسة والطب والتجارة والمحاماة والأدب والفن
من الأسر الإسلامية البيروتية والطرابلسية والعربية تعود بجذورها إلى القبائل العربية التي أسهمت في فتوحات مصر وبلاد الشام، وهي أسرة منسوبة لآل البيت النبوي الشريف لا سيما إلى السيد زين العابدين. ومنذ العصور الإسلامية الأولى توطنت الأسرة في المقاطعات الشامية، ومن بينها طرابلس الشام لا سيما منذ عهد المماليك، منذ زمن الجد الأول للأسرة الشيخ محمد الشريف الميقاتي، كما أن فرع بيروت توطن فيها منذ العهد العثماني.
يرجع تاريخ آل الميقاتي في طرابلس إلى أواخر القرن الثالث عشر عندما فتح السلطان المنصور قلاوون مدينة طرابلس وحررها من الصليبيين في العام 1289 والبدء ببناء المسجد المنصوري الكبير، حيث يذكر المؤرخ الدكتور عمر تدمري في كتابه <<آثار طرابلس الاسلامية دراسات في التاريخ والعمارة>> أن السلطان قلاوون احضر الشيخ محمد الميقاتي من مصر ليتولى مهمة تحديد مواقيت الصلوات في المدينة انطلاقاً من المسجد الذي انتهى بناؤه بعد وفاته بأربع سنوات (في العام 1294)، وقد حمل لقب <<الميقاتي>> نسبة إلى المهمة التي تولاها في المسجد والتي توارثها أحفاده من بعده وما زالوا إلى اليوم، حيث يتولى مهمة <<مؤقت طرابلس>> اليوم إثنان من آل الميقاتي هما الشيخ ناصر الميقاتي والشيخ صالح ميقاتي.
لكن تلك العائلة لم تحصر نفسها بتلك المهمة فوسعت دورها الذي بقي في الإطار الفقهي وخرج منها الكثير من العلماء والأئمة الذين يتبعون المذهب الشافعي ولم يتبدل انتماؤهم إلى الشافعية برغم التحول الذي حصل في المدينة بعد مجيء العثمانيين الذين كانوا يتبعون المذهب الحنفي مما استوجب إمامتين في المسجد المنصوري واحد للشافعيين وآخر للأحناف. فكان من أشهرهم الشيخ مصطفى عبد الحي الميقاتي عام 1642، ومؤقت طرابلس الشيخ إبراهيم الميقاتي عام 1700، وغيرهم الكثير من العلماء، وصولاً إلى منتصف القرن الماضي حيث لم يذكر المؤرخون أي دور ل<<الميقاتيين>> خارج النطاق الديني الذي توسع من دور المؤقتين إلى الإفتاء ليتولى الشيخ محمد رشيد ميقاتي منصب المفتي في عشرينات القرن الماضي، ثم ليتكرر الأمر في الخمسينات بتولي الشيخ كاظم الميقاتي منصب المفتي، وتواصل دور آل الميقاتي الديني حتى سبعينات القرن الماضي حين بدأ يظهر منهم بعض رجال الأعمال، ومن أبرزهم طه ميقاتي الشقيق الأكبر للرئيس نجيب ميقاتي، لكن ذلك لم يوقف استمرار تلك العائلة في لعب دور بارز في الشؤون الدينية والتربوية حيث شارك الشيخ علي رشيد ميقاتي في تأسيس الجمعية الخيرية الاسلامية واسعاف المحتاجين التي تولت في ما بعد إنشاء المدرسة العلمية (الكلية الاسلامية) التي أصبحت دار التربية والتعليم الاسلامية والكثير من الهيئات والمؤسسات الخيرية التي أشرف عليها آل كرامي من الرئيس الشهيد رشيد كرامي إلى الرئيس عمر كرامي والمهندس معن كرامي الذي يتولى رئاسة الجمعية منذ سنوات ووسعت من قدراتها وخدماتها وتقديماتها.
وفي السبعينات تواصل دور عائلة الميقاتي في الشأن الديني التربوي فأسس الشيخ محمد رشيد ميقاتي جمعية الاصلاح الإسلامية في العام 1977 التي أنشأت مدرسة الإصلاح ثم ثانوية الاصلاح في العام 1978 ثم جامعة طرابلس كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في العام 1982.
والأمر الملاحظ، بأن وثائق سجلات المحكمة الشرعية في بيروت في القرن التاسع عشر تشير إلى بني الميقاتي في باطن بيروت داخل السور استناداً إلى السجل (1259هـ)، الذي أظهر أيضاً اسم غنوم الميقاتي، وكأن احد أفراد أسرة غنوم، قد اشتغل بمهنة التوقيت فعرف باسم الميقاتي (أنظر كتاب د. حسّان حلاق: أوقاف المسلمين في بيروت في العهد العثماني، ص100). كما أشار السجل (1259هـ، ص65) إلى أملاك بني الميقاتي في مزرعة القنطاري فوق جبانة الصمطية. (أنظر كتاب د. حسّان حلاق: التاريخ الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في بيروت... ص225). كما أشار السجل (1273-1275هـ، ص90) إلى وقف الجد الأعلى لآل الميقاتي في بيروت في سوق العطارين في باطن بيروت السيد أمين عز الدين الميقاتي. ومما يلاحظ أيضاً من خلال وثائق السجل (1276-1278هـ، ص414) من أن فرعاً من آل عز الدين البيارتة عرفوا أيضاً باسم «الميقاتي» بالإشارة إلى الحاج سليم ابن المرحوم الشيخ محمد الميقاتي عز الدين. مما يدل على أنه تبوأ مهمة التوقيت الشرعي للأيام والشهور. ونظراً لأهمية الدور الذي قامت به أسرة ميقاتي في بيروت، فقد أطلقت بلدية بيروت اسم أسرة ميقاتي على شارع مهم من شوارع بيروت.
هذا، وقد أشار بعض أفراد من آل الميقاتي في بيروت وطرابلس، من أن بعض فروع الأسرة البيروتية والطرابلسية لا قرابة بينها، ولا يجمعها سوى المصطلح أي الاسم. ومما يؤكد ذلك، أن بعض فروع آل الميقاتي إنما يعودون إلى أصول متباينة منها:
1- فرع آل الوتار، وقد حمل أيضاً لقب «المقت»، ثم تحوّل إلى لقب «الميقاتي.
2- فرع عبد الحي زاده، وقد تحوّل فيما بعد إلى «الميقاتي».
3- فرع عز الدين، وقد تحوّل فيما بعد إلى «الميقاتي».
برز من أسرة ميقاتي الطرابلسيين منذ العهد العثماني الشيخ إبراهيم الميقاتي وشقيقه الشيخ يحيى الميقاتي (عام 1700م)، كما برز الشيخ محمد رشيد بن مصطفى بن أبي بكر الميقاتي أحد كبار علماء طرابلس وبلاد الشام (1783-1865)، والشاعر الفقيه الشيخ محمد بن الشيخ عبد القادر الميقاتي (1829-1883) والطبيب الأديب الدكتور مصطفى الميقاتي (ت1904) والشيخ محمد رشيد الميقاتي مفتي طرابلس في القرن العشرين، والشيخ كاظم الميقاتي مفتي طرابلس عام 1955، والشيخ علي بن رشيد بن الشيخ محمد رشيد الميقاتي رائد التعليم الخيري والمجاني في طرابلس، والشيخ رشيد الميقاتي عضو المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى عام 1931 في عهد الانتداب الفرنسي. كما برز حالياً الشيخ رشيد ميقاتي رئيس جمعية الإصلاح في طرابلس ومؤسس الكلية الشرعية، وبرز من الأسرة الشيخ إسماعيل الميقاتي. كما برز من الأسرة الحاج عزمي ميقاتي ونجلاه: طه عزمي الميقاتي أحد كبار رجال الأعمال في لبنان وفي السنوات الأخيرة، برز شقيقه دولة الرئيس نجيب ميقاتي نائباً ووزيراً، ثم رئيساً للوزراء منذ عام 2005. كما برز من الأسرة الدكتور عبد الإله ميقاتي، وبرز من أسرة ميقاتي البيروتية سعيد أفندي الميقاتي مدير جمرك سوريا ولبنان في عهد الانتداب الفرنسي. كما كان لآل الميقاتي السبق في انتشار مصنع للأصواف في منطقة خيزران للأخوة السادة: عادل، علي، كامل، وعارف ميقاتي. وكان لهم محلات في باطن بيروت لا سيما في شارعي المعرض واللنبي ومن ثم في شارع مار إلياس.
وبرز من الأسرة في بيروت الطبيب الدكتور عبد الغني ميقاتي الذي كان له الفضل الكبير، والإسهامات الصحية الكثيرة لأبناء بيروت، لذا أطلقت بلدية بيروت المحروسة اسمه على شارع مهم من شوارع رأس النبع حيث يقيم. كما برز نجله الطبيب الدكتور محمد عبد الغني ميقاتي رئيس قسم جراحة الدماغ والأعصاب في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، وله نظريات طبية معتمدة في أميركا، كما برز شقيقه الطبيب الدكتور عصام عبد الغني ميقاتي طبيب القلب والشرايين.
كما برز من الأسرة في بيروت المخرج المسرحي نزار ميقاتي، ونجله الممثل القدير عمر ميقاتي والموسيقي بهيج ميقاتي، كما برزت الشاعرة البيروتية السيدة هدى ميقاتي، وقد كرّمتها الرابطة الاهلية - الطريق الجديدة بأن منحتها درعها، تقديراً لما كتبته عن بيروت المحروسة من قصائد وأشعار، وأيضاً لمكانتها الأدبية.. ولها عدة دواوين منشورة، وشقيقها الطبيب الدكتور عبد الرزاق ميقاتي الذي يملك شجرة النسب الشريف للأسرة.
وعرف من الأسرة السادة: إبراهيم، أحمد، أمين، برهان، حسان، حمدي، خالد، خير الدين، رياض عز الدين ميقاتي، صلاح الدين، عادل، عبد الحليم، عبد الغني، عبد الفتاح، عبد الكريم، عبد الله، عدنان، عز الدين، عصام، عصمت، علي، عمر،غازي، فاروق، فريد، فؤاد، كامل، محمد، محمد أنيس، الطبيب الدكتور محمد جهاد عز الدين ميقاتي، محمد رياض، محمد شفيق، محمد عبد الغني، محمد علي، محمود، مصطفى، الطبيب النفسي الدكتور نبيل ميقاتي، هاني، وجيه، وليد، يحيى ميقاتي وسواهم. ومن أبرز آل ميقاتي في العالم السيد أمجد ميقاتي رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس نواب صربيا عام 2008.
ونظراً للإسهامات العلمية والخيرية والفقهية التي تميّز بها الشيخ علي رشيد بن الشيخ محمد رشيد الميقاتي، فإننا نوجز سيرته الذاتية:
كان رحمه الله فاضلاً تقياً وقوراً نبيلاً محترماً، نشأ في بيت علم وفضل، وترعرع في مهاد الأدب والنبل، فشب متبعاً آثار أبيه الشهير الشيخ محمد رشيد ميقاتي. ومن المتفق عليه أن آل الميقاتي بوجه الإجمال عرفوا بلين العريكة، وكرم السجايا والفضل.
ولد الشيخ علي رشيد بن الشيخ محمد رشيد الميقاتي سنة 1250 هجرية، ودرس علومه على بعض أَجلّاء الشيوخ، وتم تعيينه رئيساً للجمعية الخيرية الإسلامية في طرابلس منذ تأسيسها بعهد ولاية المرحوم مدحت باشا والي سوريا والصدر الأعظم العثماني، فقام بأعبائها خير قيام، واستمر يتقلدها حتى فضت عليه الشيخوخة بملازمة داره، وبثمرة مساعيه وغيرته ترك لتلك الجمعية آنذاك أملاكاً تدر ريعاً سنوياً يربو على المائة ألف غرش تنفقها على مدرستها العلمية، وهي تدرّس العلوم الشرعية والكونية واللغة الأفرنسية. ومن آثاره الحِسان، جزاه الله خيراً، هو أنه واضع أسس التعليم المجاني الابتدائي للذكور والإناث. وبهمته وسعيه انتشر هذا التعليم خصوصاً بين البنات اللواتي كنّ حتى ذاك الوقت محرومات من وسائل العلم. ومحامد هذا الشهم كثيرة، وبيض أياديه تذكر بالشكر، ولقد توفاه الله معقباً ثلاثة ذكور وهم: المرحوم الشيخ عبد القادر، والشيخ عارف، وفضيلة العالم الكامل الشيخ محمد رشيد أفندي ميقاتي قاضي لواء البلقان سابقاً ومفتي طرابلس فيما بعد.
(أنظر: عبد الله نوفل: تراجم علماء طرابلس وأدبائها، ص 156-157، المنشورات الجامعة، طرابلس 1984).
هذا، وقد ورد في القرآن الكريم لفظ الميقات والمواقيت، فمن قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [سورة البقرة، الآية 189]، وفي قوله تعالى: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً} [سورة النبأ، الآية 17].
والميقاتي لغة، لقب أطلق على العالم بتحديد المواقيت الشرعية للأوقات وللأيام وللأشهر القمرية (الهجرية)، وتحديد مواقيت الأذان والصلاة والمناسبات الدينية. وكان الميقاتي عادة من العلماء، ومن الأسر الشريفة.
الشاعرة هدى ميقاتي
الممثل المسرحي عمر نزار قبّاني