آل علايلي
من قبيلة «العلايلية» العربية.. عرفوا بصفات قيادية عسكرية وبرزوا في علوم الدين والدنيا
من الأسر الإسلامية البيروتية والصيداوية واللبنانية والعربية، وهي من جذور عربية أسهمت في فتوحات مصر وبلاد الشام، كما أسهمت في العهدين المملوكي والعثماني في الفتوحات الآسيوية والأوروبية.
وتشير المصادر التاريخية إلى أن أجداد أسرة علايلي تميّزوا بصفات قيادية وعسكرية، وأسهموا في الجهود والمعارك العسكرية في مناطق عديدة من الولايات العربية والعثمانية، من هنا نرى ظاهرة انتشار أسرة علايلي في الولايات العثمانية ومن بينها بيروت وصيدا وكامد اللوز في البقاع ودمشق وحلب والقاهرة والإسكندرية ودمياط وسواها.
وبالرغم من أن بعض مصادر أسرة علايلي يعتقدون بأن أصول الأسرة من جزيرة كريت من اليونان، أو من أصل تركي أو عثماني، غير أنه من الثابت أن الأسرة عربية الأصول والجذور، وقد انتشر أفراد منها – كبقية الأسر العربية – في ولايات عثمانية أوروبية وعربية عديدة. وما تزال قبيلة العلايلية منتشرة حتى اليوم في شبه الجزيرة العربية وفي مصر وفي أكثر من مكان، وما تزال أسرة العلايلي في مصر من الأسر الوجيهة والبارزة، اشتهر منها الفنان الكبير عزت العلايلي.
برز من أسرة علايلي في العهدين المملوكي والعثماني، وفي التاريخ الحديث والمعاصر العديد من الآغاوات والأمراء والعلماء والوجهاء منهم على سبيل المثال: أمير جبل لبنان في العهد المملوكي الأمير بدر علايا أو علايلي، وأمير مصر إِينال علايا أو علايلي، والقائد أحمد آغا علايلي. ويشير السجل 1283-1284هـ (ص 466) من سجلات المحكمة الشرعية في بيروت في العهد العثماني، إلى السيد محمد آغا بن علي بن عبد الله العلائي من حلب، وتشير سجلات المحكمة الشرعية في بيروت في القرن التاسع عشر أيضاً إلى الحاج أحمد العلايلي وابنته السيدة آمنة العلايلي زوجة الشيخ مصطفى القباني المصري. كما برز من الأسرة الحاج علي العلايلي الذي وقف أرضاً لبناء مسجد من مساجد رأس النبع، كما برز شقيقه الحاج عثمان العلايلي ونجلاه العلامة الشيخ مختار العلايلي (1899-1984) معاون أمين الفتوى في الجمهورية اللبنانية (1933-1965) كما تولى رئاسة مجلس العلماء في بيروت. وكان إِماماً لسنوات طويلة للجامع العمري الكبير منذ عام 1955. اشتهر بورعه وتقواه وزهده وروحانياته وفتاويه المهمة. كان له الكثير من التلاميذ والمريدين، وتخرج عليه العديد من علماء بيروت. دفن في جبانة الإمام الأوزاعي (رضي الله عنه) في 29 آذار 1984 وكان في مقدمة المصلين مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد.
كما برز من الأسرة شقيقه العلامة الشيخ عبدالله العلايلي (1914-1996) المشهور بمؤلفاته واجتهاداته اللغوية والفقهية، كما عرف عنه أنه أسهم في تأسيس الحزب التقدمي الاشتراكي بسبب ميوله النهضوية. كما عرف في بيروت ابنه نقيب المهندسين المهندس الدكتور بلال العلايلي، والدكتور ناجي العلايلي، والصحافي والكاتب المعروف وفيق سعيد العلايلي أحد أصحاب مجلة «كل شيء»، ونجله المهندس علي العلايلي أمين سر مفتي الجمهورية اللبنانية. كما عرف الحاج محمد جمعة العلايلي احد موظفي بلدية بيروت المحروسة.
وبرز من أسرة العلايلي الطبيب الدكتور عبد الكريم العلايلي، الذي عرف بمساعدة المرضى الفقراء، وابنه الطبيب الدكتور رياض العلايلي عضو مجلس بلدية بيروت (2004-2010) وشقيقه الفنان الممثل وليد العلايلي. وعرف من الأسرة في صيدا السادة: أحمد، وحسن، ومحمد، ومحمود، وقاسم العلايلي وسواهم.
وعرف من الأسرة العديد من الأطباء والصيادلة والمهندسين ورجال الأعمال ووجوه المجتمع والعلماء من بينهم على سبيل المثال السادة: إبراهيم، زياد، زيدان، سامي، سعيد، سمير، عبد الرحمن، عبد الرحيم، عبد الغني، عبدالله، عثمان، عدنان، عزت، علي، غسان، فاروق، محمد، محمود، محيي الدين، مختار، مروان، وفيق، ياسر علايلي وسواهم الكثير.
والعلايلي لغة مشتقة من العلو، وهو الشخص السامي المرتفع مثل لفظ علايا. كما يمكن ردها إلى منطقة علايا الواقعة في آسية الصغرى على البحر المتوسط. ويمكن أن يكون لفظ «علايلي» و«علايلية» في الأصل من «الألايلية» وهي لفظ تركي عثماني مشتقة من «آلاي» وهي الفرقة العسكرية الذين يتخرّج أفرادها من الكلية الحربية، وكانوا يلقبون بلقب آغا. ويرى د. أحمد السعيد السليمان المتخصص في اللغة العثمانية في كتابه «تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل» ص (21) بأن العرب عند تعريبهم للكلمات العثمانية قلبوا حرف الألف العثماني إلى حرف العين العربي. لذلك فإن مصطلح «آلايلي» العثماني، تحول إلى «علايلي». كما ان «لي» العثمانية دلالة على منطقة ما.
وفيما يلي دراسة مفصلة عن العلاّمة الشيخ عبد الله العلايلي (1914-1996) تكريماً ووفاءً له ولعلمه ولإسهاماته العلمية:
ولد الشيخ عبد الله العلايلي في محلة الثكنات العثمانية في باطن بيروت قريباً من السراي الكبير في عام 1914، وتعلم في كتاتيبها منها كُتّاب المعلم عيسى كتوعة قريباً من الجامع العمري الكبير، كما تعلم في كُتاب الشيخ نعمان الحنبلي والتي عرفت باسم «المدرسة السورية» الواقعة في محلة الخندق الغميق (الغلغول في العهد العثماني). ثم انتقل الشيخ عبد الله العلايلي إلى كُتّاب الشيخ مصطفى زهرة في منطقة زقاق البلاط.
في عام 1920، وكان في السادسة من عمره التحق العلايلي في مدرسة الحرج الابتدائية التابعة لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت، وكانت من أبرز المدارس الإسلامية الأهلية في تلك الفترة، وظل في هذه المدرسة حتى عام 1923.
في عام 1924 رافق شقيقه الشيخ مختار العلايلي لمتابعة الدراسة في الأزهر الشريف في القاهرة الذي كان يضم طلاباً من مختلف البلدان العربية والإسلامية من الصفوف الابتدائية إلى المرحلة الدراسية العليا، وظل العلايلي يتابع دراسته في الأزهر الشريف حتى عام 1936م، وقد اضطر للعودة إلى بيروت لعدم القدرة على استمرار تمويل إقامته العلمية في القاهرة، علماً أن بعض وجهاء بيروت المعروفين، وبعد اجتماعهم به في القاهرة عرضوا عليه تمويل إقامته ودراسته العليا، فاعتذر عن قبول هذا العرض، وآثر العودة إلى بيروت المحروسة، بعد أن تلقى مختلف أنواع العلوم الأزهرية على كبار علماء مصر منهم العلماء: أحمد عيسى الشرقاوي، الدسوقي العربي، سيد علي المرصفي، السملوطي، عفيفي عثمان، علي محفوظ، محمد نجيب المطيعي، محمد العربي، يوسف الدجوي وسواهم الكثير من كبار علماء الأزهر الشريف.
لقد استطاع الشيخ عبد الله العلايلي أن يكرّس علومه التي تلقاها في مدارس بيروت وفي الأزهر الشريف بين أعوام (1918-1936) للوعظ والإرشاد والإصلاح والعلم، وللتوعية الدينية والاجتماعية والعلمية والسياسية والإصلاحية، لهذا شهد الجامع العمري الكبير طيلة ثلاث سنوات (1936-1939) الكثير من خطب وعظات ولقاءات وإرشادات الشيخ عبد الله العلايلي، وخاصة أن المسلمين في بيروت ولبنان ومختلف البلاد العربية كانوا ما يزالون يعيشون تحولات مفصلية من «العثمنة» إلى «الفرنسة»، وكان البعض منهم يعيش حالة الضياع والصدمة من تلك التحولات السياسية والاجتماعية بين مطالب بالاستقلال ومطالب بالوحدة السورية.
لهذا، فقد حرص الشيخ عبد الله العلايلي على طرح آراء وقضايا إصلاحية في دراسات ورسائل تحت عناوين:
«المفتي والفتوى»، «الأوقاف الإسلامية»، «المحاكم الشرعية»، «واقع المسلمين»، «التحديث والإصلاح».
لقد طرح الشيخ عبد الله العلايلي آراء دينية وإسلامية وإصلاحية وسياسية على غاية من الأهمية، تعبر عن رؤية إسلامية جديدة. ولقد تبين بأن الظروف السياسية والدينية والاقتصادية التي كان يمر بها المسلمون سواء في لبنان أو في الوطن العربي لا سيما بين أعوام 1918-1945، قد دعته لطرح أفكاره الإصلاحية الجريئة، الأمر الذي دعا بعض معارضيه ومعارضي أفكاره لأن يطلقوا عليه «الشيخ الأحمر» لادعائهم بأنه متأثر بالعقائد والأفكار الشيوعية، وزادت هذه الاتهامات بعد أن دعم أو انتسب لأحزاب لبنانية يسارية أو عروبية أو تقدمية من بينها الحزب التقدمي الاشتراكي الذي أسهم في تأسيسه مع الزعيم كمال جنبلاط، كما كان له أثر كبير في وضع نظامه، ووضع أنظمة أحزاب أخرى مثل: النجادة، وحزب البعث العربي الاشتراكي.
لقد استمر العلايلي في حركته الاجتهادية والإصلاحية ليس في ميدان اللغة فحسب، وإنما في الميادين السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماعية، فوجه عدة رسائل بعنوان «إني اتهم» تضمنت اتهامات لعدد من المسؤولين الدينيين والسياسيين باعتبارهم هم وراء تخلف الأمة.
وفي خطوات متوازية مع آرائه الإصلاحية السياسية والدينية، حرص على طرح جملة من الآراء والاجتهادات والإصلاحات في ميدان اللغة العربية لتصبح متوافقة مع متطلبات العصر والتحديث المطلوب، فأصدر كتابه المتميّز «مقدمة لدرس لغة العرب» الذي كان يمثل حركة إصلاحية وتحديثية في لغة العرب، وفي فقه اللغة العربية، بسبب طرحه لاجتهادات أدت إلى تطور مفردات اللغة العربية استناداً إلى مقتضيات القرن العشرين وتقنياته الحديثة.
ومن الأهمية بمكان القول، إن العلامة الشيخ عبد الله العلايلي المتألم على أمته، ومن أجل أمته، بدأ يمثل ظاهرة إصلاحية وعلمية قلما عرفتها بيروت، وقلما عرفها علماء بيروت ولبنان.
لذلك، فقد أصبح الشغل الشاغل للأوساط الدينية والعلمانية على السواء، كما أصبح موضع اهتمام المرجعيات العلمية، ففي عام 1952 انتدبته جامعة الدول العربية كمستشار عندما طرح موضوع «الزكاة في الإسلام» الذي كان له فيها آراء واجتهادات سبق الإشارة إليها، كما عيّن عضواً في اللجنة الثقافية التابعة للجامعة، وعضواً في اتحاد مجامع اللغة العربية الذي عقد في دمشق، باقتراح من الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي - رئيس اللجنة الثقافية التابعة لجامعة الدول العربية- لا سيما بعد أن اطلع على العلم الواسع والثقافة اللافتة، والاجتهادات الجديدة، التي تميّز بها العلامة الشيخ عبد الله العلايلي. ومن يطلع على آرائه واجتهاداته في اللغة والشريعة يدرك تماماً المستوى الرفيع الذي تميّز به، ويدرك مدى أثره في بيروت ولبنان والوطن العربي.
في عام 1956 انتدبه قائد الجيش اللبناني آنذاك اللواء فؤاد شهاب للإسهام في وضع «المعجم العسكري للمصطلحات العسكرية» واستمر في تولي هذه المهمة بين أعوام 1956-1968، وكانت نتائجها أربعين ألف كلمة، وقد تولى الجيش اللبناني طباعة هذا المعجم الذي اعتمدت عليه جامعة الدول العربية لتعميمه على الجيوش العربية، بهدف توحيد المصطلحات العسكرية لهذه الجيوش.
أسهم العلاّمة الشيخ عبد الله العلايلي إسهامات دينية ولغوية وشعرية ومعجمية وأدبية وفقهية وإصلاحية وسياسية. كما كان له إسهامات في شؤون المجتمع اللبناني والعربي والإسلامي. من بين مؤلفاته على سبيل المثال لا الحصر:
1- «مقدمة لدرس لغة العرب» طبع عام 1938 في المطبعة العصرية في صيدا. ونظراً لأهميته، فقد تناولته بالدرس العديد من الصحف اللبنانية والعربية منها: الأهرام، المقتطف، الهلال، المصري، البلاغ، الدستور، الرسالة، التربية الحديثة. كما اهتم بتلك المقدمة المستشرق الألماني فيشر والمستشرق التشيكي باول كراوس، والمحقق العراقي الشهير الأب أنستاس الكرملي. وأدباء من مصر منهم: إسماعيل مظهر، الشيخ عبد العزيز البشري، وعلي الجارم وسواهم من العلماء.
2- «الحزب بوتقة تصنع الأمة» طبع عام 1941 في مطبعة بعيون في بيروت.
3- «المعرّي ذلك المجهول» طبع عام 1944 في مطبعة مجلة الأديب لصاحبها ألبير ديب.
4- «دستور العرب القومي» طبع هذا الكتاب في المكتبة العصرية في مصر لصاحبها الياس انطون الياس.
5- «المعجم الكبير» طبع عام 1954 في مطبعة الريحاني في بيروت، وهو يتألف من (24) مجلداً، وكل مجلد يتألف من ستة أقسام، وعند وفاة الشيخ عبد الله العلايلي كان بعض هذه المجلدات ما تزال مخطوطة.
6- «تهذيب المقدمة اللغوية» طبع عام 1968 بعناية الدكتور أحمد علي في منشورات دار النعمان في بيروت.
7- «المعجم العسكري للمصطلحات العسكرية» طبع عام 1968.
8- أشعة من حياة الحسين (عليه السلام).
9- مخطوطات متنوعة العلوم ما تزال مخطوطة حتى اليوم، لا بد من الاهتمام بها ونشرها لتعميم الفائدة العلمية، كي لا يكون الوطن العربي مقبرة للعلماء.
من جهة ثانية، فمن المعروف أن الشيخ عبد الله العلايلي لم يكن شاعراً في عداد الشعراء التقليديين، غير أنه كان يتألم ويتحسس آمال وآلام مواطنيه نثراً وشعراً، لذلك، فقد أطلق بعض الكتب والقصائد الوجدانية ظهرت في مجموعتين اثنتين وهما:
1- «رحلة إلى الخلد» وهي ملهاة على نسق المعراج، تقع في نحو (1500) بيت شعر، ترجم قسماً منها المستشرق إميل درمنغهام إلى الفرنسية.
2- «من أجل لبنان» قصائد شعرية تتحدث عن الوضع خلال الحرب الأهلية في لبنان 1975-1990.
نال العلامة الشيخ عبد الله العلايلي الكثير من أوسمة التقدير والجوائز التقديرية والاحتفالات التكريمية منها: وسام الأرز الوطني عام 1954، وجائزة رئيس الجمهورية اللبنانية التقديرية لأحسن المؤلفين عام 1962، ووسام الأرز الوطني من رتبة ضابط عام 1963، وحفل تكريم مركزي في دار الفتوى في الجمهورية اللبنانية عام 1996 برعاية الرئيس الشهيد رفيق الحريري وصاحب السماحة الشيخ محمد رشيد قباني مفتي الجمهورية اللبنانية، وكنت آنذاك خطيباً في هذا الحفل، وحفل تكريم اتحاد الكتاب اللبنانيين قبل وفاته، وإصداره كتاباً عنه بعنوان «الشيخ عبد الله العلايلي مفكراً ولغوياً وفقيهاً» مع تقديم للمستشرق الروسي الكسندر سيمرنوف.
ولا بد من الإشارة إلى صدور الكثير من المؤلفات والبحوث والدراسات عن العلامة الشيخ عبد الله العلايلي، فضلاً عن رسائل ماجستير وأطروحات دكتوراه بحثت في علمه وفقهه واجتهاداته وآرائه وتحديثه للغة.
وبوفاته عام 1996 خسرت بيروت ولبنان والعالم العربي والإسلامي والعلم والعلماء علماً من أعلام اللغة والأدب والفكر والفقه والاجتهاد قل نظيره، وما يزال علمه ينتظر المزيد من التقدير والتكريم.
ومن الأهمية بمكان، أنه بالرغم من تكريمه من مؤسسات رسمية وأهلية في لبنان والعالم العربي، وبالرغم من كتابة مؤلفات وبحوث ورسائل جامعية عن سيرته وعلمه، غير أنه نظراً لما لاقاه من تهجمات وانتقادات لاذعة من مجتمعه بسبب اجتهاداته وانفتاحه على الآخر، فقد اعتزل المجتمع وأنشطته، وآثر الانعزال في صومعته العلمية باحثاً ومحققاً ومؤلفاً ومبدعاً إلى حين وفاته، على غرار حالة العزلة التي عاشها العلامة الدكتور زكي النقاش بسبب اتهامه من مجتمعه، لأنه انتمى في يوم من الأيام لفكر الحزب السوري القومي الاجتماعي، وقد آثر كل منهما اتباع الحديث الشريف «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له».
الشيخ عبد الله العلايلي