آل جركس «شركس»
من الأُسر الإسلاميّة البيروتيّة والصيداويّة والطرابلسيّة واللبنانيّة، تعود بجذورها إلى قبائل الشركس في شمال القوقاز وجيرانهم الشيشان، وكان من هذه القبائل التي قامت بدور فاعل في حياة العرب والمسلمين سلاطين وأمراء وقادة، لا سيما في عهد المماليك. وأشار الباحث أحمد وصفي زكريا في كتابه «عشائر الشام» في مبحث مفصّل عن الشركس، بأن العرب بلغوا بلاد الشركس التي كانت تعرف باسم «القبق أو القبج» في خلافة الخليفة عمر بن الخطّاب والخليفة عثمان بن عفّان «رضي الله عنهما»، وقد ظلّ العرب في تلك المناطق مدة خمسة قرون حتى عمّ الإسلام الداغستان، والتحق الشركس في جيوش الحلفاء العباسيين والسلاطين السلاجقة والمماليك، إلى أن أسسوا دولة قوية في مصر وبلاد الشام، ومن ثم في الحجاز واليمن، دامت 139 عاماً، بين أعوام 874/923 هـ.
يعد الشراكسة - الذين يدين معظمهم بالديانة الإسلاميّة - أقدم الأمم المعروفة التي سكنت القوقاز الشمالي وقد اختلطوا بشعوب أخرى مما أدّى إلى ظهور فوارق لغوية بينهم، ووصلت مع تقدم الزمان إلى درجة كبيرة من الاختلاف رغم وحدة ثقافتهم الإسلامية واتحاد مصيرهم، ويقول المؤرخون الشركس: إن لقب «شركسي» ليس اسماً لأحد من الأقوام الساكنة في شمال القوقاز مما قد مر ذكرها، ولا تجد هناك حتى قبيلة واحدة تحمل اسم: «القبيلة الشركسية» في القوقاز، وإنما هي كلمة أطلقها الأجانب على أبناء شعوب شمالي القوقاز، واسم أطلقوه على سكان هذه المنطقة الأصليين واسم شركس أو لقب شراكسة أو شركسي أطلق على جميع الشعوب التي كانت تسكن شمالي القوقاز بما فيها الشيشان. وبتعبير أدق فإن اسم شراكسة يطلق الآن على جميع الشعوب التي كانت تسكن الشمال القوقازي، ولهذه الشعوب حضارة مشتركة كما أكد المؤرخ الشركسي يوسف عزت في قوله «إن شعوب الأديغة والشيشان تنحدر من نفس العرق». ولمعرفة المسمى الحقيقي للأمة الشركسية فيقول المؤرخ الشركسي شورابكيمرزانو غموقة إن الاسم الحقيقي للأمة الشركسية والذي بقي محفوظاً حتى الآن هو «آنت ANT»، وهو اسم قبيلة عظيمة تعتبر أم القبائل الشركسية، وقد حُرف هذا الاسم مع مرور الزمان فأصبح «أديكه أز أديجه» باستبدال التاء بالدال للتحقيق، وإضافة المقطع الأخير فيه أي «خه» إلى الاسم الأصلي، ويقول كذلك المؤرخ أن هناك من يقول بأن أصل هذه الكلمة من اللغة الفارسية، والبعض الآخر يدعي أنها تترية، ولكن الأرجح والمقول أن تكون ناتجة عن تحريف لفظ «كركت Ketket» والذي كان قدماء الإغريق يطلقونها على أمتنا أو على أحد شعوبنا.
ينتمي الشركس الى عدة قبائل فمنهم:
◄الجيجان
◄الداغستان
◄اللاز
◄الاباظ
◄الانغوش
◄القرباغ
◄ناكورك
◄الجركس
◄الكولمنده
وسكان شمال قفقاسيا وهم من قبائل الاديغة من مناطق التاي، «تركستان الشرقيه في غرب الصين-تركستان الغربيه شرق روسيا»، وهم الأقرب الى المغول والتتار وليسوا قبائل آرية «هندواوربية»، كما يدعي البعض، ويدعي بعض الشراكسة في بعض أساطيرهم أنهم من سلالة العرب، وبالتحديد من قبيلة قريش، إلا أن هذه الإدعاءات لا أساس لها من الصحة كما قال المؤرخ مورجان، ويوضح المؤرخ أن هذه المحاولة رغبة منهم في الإنتساب إلى الأمة العربية حباً في النبي محمد «عليه الصلاة والسلام».
في عام 1991 قام المؤتمر العلمي الذي عقد في مايكوب تحت عنوان «نحن أديغا شركس» بمحاولة لتجاوز التقسيم الاصطناعي للشعب الشركسي. وقد أوصى المؤتمر باعتماد اسم «أديغا» لتحديد الهوية إن كان باللغة الشركسية واسم «شركس» إن كان باللغة الروسية أو اللغات الأخرى.
من أهم سلاطينهم: برقوق، برسباي، جقمق، قايتباي، وقانصوه الغوري الذي قضى على السلطان سليم في معركة مرج دابق شمالي حلب عام 1516م، وفي معركة الريدانية قرب القاهرة، عام1517م. ونظراً لمعاناة الشركس في بلادهم القوقاز ، فقد شهدت الدولة العثمانيّة هجرة كثيفة لهم طيلة الحكم العثماني، وفي المدن والولايات العثمانيّة، ومع الشعوب العربيّة، وتولوا أعلى المناصب في الدولة العثمانيّة، منهم محمد باشا جركس والي الشام، والذي أصبح صدراً أعظم «رئيس وزراء» في عهد السلطان مراد الرابع، وقد توفي في عام 1624م.
تميّز الشراكسة طيلة العهود بالقوة والجرأة والإقدام، وبالوفاء وبالحفاظ والتقاليد والعادات والعقيدة الإسلاميّة، وبالإخلاص للبلدان العربيّة التي توطنوا فيها في الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان ومصر وسواها، كما تميزوا الدفاع عن أراضيهم القوقازيّة، وقد برزمنهم الكثير من السلاطين المشار إليهم، فضلاً عن قادة كثر برزوا في العهد العثماني، منهم من برزوا في بيروت في القرن التاسع عشر حوالي العام 1865م، منهم على سبيل المثال: شاكر آغا بن عبد الله الجركس استناداً إلى وثائق سجلات المحكمة الشرعية في بيروت بتاريخ ــ 5 ذي القعدة عام 1281هـ ــ، «السجل 128/1282هـ، قضية رقم 69 ، كما برز في بلاد الشام القائد خسروا باشا الشركسي عام 1907م.
ولابد من الإشارة إلى أن الست حسن جهان زوجة الأمير عمر الشهابي هي جركسية الأصل.
ونظراً لتفاعل وتمازج وتصاهر الشركس مع العرب أينما كانوا، فإن قسماً وفيراً منهم حمل أسماء عربيّة وأنخرط في النسيج الديموغرافي العربي، وباتوا عرباً في البلدان والمناطق التي أستقروا فيها، كانت قبيلة الشابسوغ أول مجموعة من القادمين التي قدمت عبر تركيا إلى دمشق ثم من هناك إلى عمان حيث سكنوا فيها.
وقدمت المجموعة الثانية الكبرى عبر الطريق البحري من البلقان إلى بيروت وعبرت حلب متوجهة إلى عمَّان.
وصلت مجموعة من الشيشان من تركيا إلى الأردن عبر الطريق البري ما بين الأعوام 1888 ـ 1902 ـ 1905 كما يتواجد عدد قليل من الداغستانيين.
استوطن الشركس أماكن عدة في الأردن ففي عمان كان الشابسوغ والقبرطاي والقليل من الابزاخ، وادي السير وجميع سكانها من الشابسوغ والبزادوغ والابزاخ.
اما كلا من صويلح فقد ضمت القبرطاي والشيشان, ناعور وسكانها من الابزاخ البزادوغ وقليل من القبرطاي والشابسوغ، الزرقاء ومعظم سكانها من الشيشان الذين وصلوا 1902-1905 مع شيشان صويلح وقليلا من القبرطاي. جرش والرصيفة جميع سكانهما من القبرطاي.
يحظى الشراكسة في الأردن بامتيازات عدة من النواحي الثقافية, الاقتصادية, والسياسية فالكثير منهم يشغل مناصب عالية في جهاز الدولة والوظائف الحكومية, كما ان الحرس الملكي الأردني مكون من الشراكسة.
كما أن الرؤساء والملوك العرب قربوا هذه القبائل إليهم، وأؤلوهم أرفع المناصب بسبب إخلاصهم ووفائهم.
عُرف من أسرة جركس «شركس» في بيروت السادة: زكي بلال، سمير عبد العزيز، عبد الرزاق، علي، علي سنتينا جركس، يحيى، يوسف محمد سنتينا جركس، يوسف محمد جركس وسواهم.
ومما يلاحظ بأن بعض الأسر البيروتيّة من جركسي «شركسي» وقد حملت بعض أفراد من أسرة سنتينا البيروتيّة لقباً مركباً هو «سنتينا جركس» مما يدل على الأصول الشركسيّة أسرة سنتينا.
ما شهدت بيروت المحروسة أسرة أرمنيّة باسم جركسان، عُرف منها السادة: أرميناك، أندرة، بيرج، نفرت، هاكوب أرنين وسواهم.
ينحدر الشركس من الشعوب القفقاسية (قوقازية) في منطقة شركيسيا قرب البحر الأسود - بين تركيا وروسيا - والذين أُخرِجوا من أراضيهم نتيجة عملية توسع الروس الجغرافية في القفقاس خلال القرن التاسع عشر، وخاصة بعد الحرب الروسية الشركسية سنة 1864. وكلمة "شركس" أمّة تضم عدة قبائل، أكبرها الأديغة والكباردية.
كانت شركيسيا كيان صغير مستقل في الجهة الشمالية الشرقية للبحر الأسود (شمال تركيا اليوم). ولعدة أسباب، منها الكراهية للمسلمين والخوف منهم باعتبارهم امتداداً طبيعياً للإمبراطورية العثمانية وقوتهم القتالية المشهودة منذ غابر القرون، ظل الروس (الأرثوذكس المسيحيين) يغزون الكيان الشركسي، مما دفع الآلاف منهم إلى الخروج من أراضيهم إلى ما وراء الحدود الروسية التركية، أي إلى الأراضي العثمانية.
تسببت مئات غزوات الروس إلى حصار وتجويع ومجازر راح ضحيتها ما لا يقل عن 600 ألف شركسي، بينما نزح مئات الآلاف إلى الإمبراطورية العثمانية، وكان أوج تلك الموجة من التطهير العرقي في حرب 1864م بين الروس والشركس، قتل فيها ثلاثة أرباع الشعب الشركسي، ليصير الشركس من أوائل شعوب العالم بلا وطن ذي حدود في التاريخ الحديث.
واليوم ما زال عدد ليس بقليل من الشركس يسكنون في موطنهم الأصلي (كجزء من روسيا)، إلا أن غالبيتهم النازحة توزعت في أرجاء الإمبراطورية العثمانية، بالإضافة إلى الذين هاجروا إلى أوروبا وأميركا (خاصة ولايات نيوجيرسي، نيويورك، وكاليفورنيا).
وأقل من ذلك في البلقان ولبنان وأرمينيا وإيران ومصر. ومن الطريف أن نعلم أن المصريين الذين ينتمون لعائلة "أباظة" هم من الأصول الشركسية، فكلمة أباظة تعريب لكلمة "أبخازيا" إحدى مناطق الشركس (واسم إحدى قبائلها) قرب جورجيا.
اثنى عشرة نجمة على العلم الشركسي المعتمد، وترمز إلى القبائل الشركسية: تسعة نجوم في القوس ترمز للقبائل التسعة الأرستقراطية لأديغة، والثلاثة تحت القوس ترمز للقبائل الثلاثة الديمقراطية. والقبائل الشركسية هي: الأبخاز والبسلاني والبجيدوغ والهاتوقواي والكباردية والممخج والنتخية والشابسوغ والتميركوي والأبيخ واليغروكوي والجانية. وأخيراً الأسهم الثلاثة على العلم ترمز للوحدة والسلام بين القبائل الشركسية.
وجركس «شركس» لغة واصطلاحاً لقب لشعوب القبق أو القبيح في شمال القوقاز، وقد قام العرب ومن ثم الأتراك ــ كعادتهم ــ بتحريف الأسم إلى الجراكسة، كما أن العرب يحوَّلون عادة «الجيم» إلى «شين»، فلفظوها الشركس أو الشراكسة.