آل القرق (بربر آغا)
من الأسر الإسلامية البيروتية والطرابلسية تعود بجذورها إلى القبائل العربية الشريفة التي أسهمت في فتوحات مصر وبلاد الشام والمغرب العربي، وكان لها انتشار ونفوذ واسع في مناطق بلاد الشام لا سيّما في شمال لبنان. وترى بعض المصادر التاريخية بأنّ الأسرة توطنت في بلاد الشام في العهود العربية الأولى، واستقرت في طرابلس وبعض المناطق في شمال لبنان ومن ثمّ بيروت. كما أنّ شجرة السادة الأشراف وكتاب جامع الدرر البهية لأنساب القرشيين في البلاد الشامية ص (98-99) يؤكّد بأنّ آل القرق أسرة عربية الأصول، مغربية الجذور، منسوبة إلى آل البيت عليهم السلام، وهي فرع من آل العلبي الأسرة الشريفة، وجدّها الأعلى هو السيّد عمر الشهير بالقرق بن يوسف القرق بن زين العابدين علي ابن الشيخ شرف الدين محمد العلمي الشهير بالقصيباتي ابن القاضي صالح العلمي. ويستمرّ النسب الشريف لأسرة القرق إلى أن يصل إلى محمد بن إدريس الثاني ابن مولانا إدريس الأكبر بن عبدالله المحض بن الحسن المثنى ابن الإمام الحسن رضي الله تعالى عنهم.
برز من الأسرة السيّد يوسف القرق شقيق السيّد محمد الشهير بالقاووقجي جدّ أسرة القاووقجي. أمّا جد الأسرة الطرابلسية فهو السيّد محمد بن يوسف ابن السيّد عمر الشهير بالقرق. وأمّا جد الأسرة البيروتية فهو السيّد عبد القادر بن محمد القرق. كما برزت السيّدة رجاء القرق رئيسة سيّدات الأعمال في إمارة دبي.
ومهما يكن من أمر، فإنّ تاريخ أسرة القرق في طرابلس وبيروت وبلاد الشام يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتاريخ الوالي مصطفى آغا بربر (1767-1834) على اعتبار أنّه ينتسب إلى أسرة القرق الطرابلسية. لذلك يمكن القول إنّ من أهم البارزين من آل القرق في القرن التاسع عشر مصطفى آغا بربر حاكم طرابلس واللاذقية، كما امتدّ حكمه إلى بيروت المحروسة في فترات متفاوتة.
واستنادًا إلى وثائق المحكمة الشرعية في طرابلس في 19 محرّم 1253ه – 1837م، فإنّ والده هو السيّد حسن جلبي بربر زاده، وكان رجلًا متواضعًا، يعمل في الفلاحة، عاش فترة في منطقة برسا في الكورة. كما أنّ مصطفى آغا بربر القرق كان شابًا متواضعًا اشتغل في كافة المهن الزراعية المتواضعة، كما كان مسؤولًا عن الدواب، ثمّ بدأ يعمل في تجارة الزيت. ونظرًا لميوله العسكرية، وحبه للفروسية تجنّد في خدمة الأمير يوسف الشهابي عام 1788م. كما حرص على الانخراط في سلك الجيش الانكشاري، وانخرط في خدمة أحمد باشا الجزار، ومن ثمّ تزعّم الجبش الانكشاري في بيروت المحروسة. ولمّا عاد إلى طرابلس والكورة باتت له هيبة عسكرية وسياسية، كما أصبح يملك أملاكًا كثيرة، فابتدأت شهرته وصيته تذاع بين أواسط الطرابلسيين خاصة والعثمانيين عامة، خاصة عند التيقّن من جرأته وإقدامه وطموحه، وبات ملاذًا بعد أن أنقذ طرابلس من حكّامها الظالمين لأهلها، وسيطر على قلعتها في عام 1798م. ومنذ ذلك التاريخ أصبح حاكمًا على طرابلس، غير أنّ الفرمان السلطاني صدر رسميًا بتعيين مصطفى آغا بربر متسلمًا على طرابلس في 25 ذي الحجة 1215ه، أيار 1800م. واستمرّ مصطفى آغا بربر القرق متسلمًا على طرابلس وعلى جبلة واللاذقية لسنوات عديدة لا سيّما عند انتهاء الحكم المصري في بلاد الشام عام 1840، الذي كانت له مع محمد علي باشا والي مصر وابنه وإبراهيم أوثق العلاقات السياسية والعسكرية.
كان مصطفى آغا بربر القرق حاكمًا عادلًا متواضعًا ذكيًا، حارب الفساد والمفسدين، أقام علاقات طيّبة مع مختلف الطوائف اللبنانية، ولم يميّز بين طائفة وأخرى، بل عامل الجميع بالعدل والمساواة. كان رجلًا يؤمن بالخير والعطاء، فأنشأ العديد من الأوقاف الإسلامية على الفقراء وعلى أعمال البر والإحسان، وعلى أولاده وذريته من بعده. وما تزال أسرة القرق في طرابلس وبيروت تستفيد من بعض الأوقاف الخيرية الذرية. كما ترك أوقافًا لزوجاته السيّدات: فاطمة بنت محمد القرق، ومريم أحمد القلموني، وفاطمة حمد عبد الواحد. وجاء في كتاب الأب أغناطيوس طنوس الخوري «مصطفى آغا بربر» ما ينصف هذا الوالي العادل والحازم والمتواضع.
ونظرًا لاتّساع حكم الوالي مصطفى آغا بربر القرق، فقد استقرّ فرع من أسرة القرق في بيروت منذ القرن التاسع عشر، وكان لها نفوذ سياسي واجتماعي واقتصادي في عهد واليها، غير أنّ الأمور تبدلت كثيرًا بعد وفاة مصطفى آغا بربر، وبعد انحسار الحكم المصري في بلاد الشام.
برز من آل القرق في العهد العثماني الطبيب الدكتور عبد الباسط القرق متخرّج من جامعة استانبول. كما برز من أسرة القرق في التاريخ الحديث والمعاصر التاجر الحاج محمد القرق، والتاجر الحاج عبد الفتاح القرق. كما برز من الأسرة العميد المتقاعد في الجيش اللبناني شريف القرق، وبرز الدكتور خضر القرق وابنه الدكتور في الهندسة الطبيه سامر القرق المقيم في أميركا، والأستاذ الجامعي الدكتور محمود القرق رئيس جمعية آل القرق في بيروت، فضلًا عن أعضاء الهيئة الإدارية لجمعية آل القرق وهم السادة: الحاج زهير، أحمد، وفيق عبد الرحمن، خالد القرق العلمي، عبد الرحمن، مصطفى، خالد زهير، شفيق، عبد الغني، يوسف القرق العلمي. كما عرف من أسرة القرق في بيروت السادة: حسن، توفيق، سمير، شفيق شريف، عبد الرزاق، عبد الغني، عثمان سعيد، عدنان، عفيف عمر، عيسى، محمد علي، ورجل الأعمال محمد نور الدين، مصطفى، وجيه القرق وسواهم. كما برز من آل القرق الكاتب اللبناني أحمد القرق.
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّه يوجد في طرابلس وبيروت فرع لأسرة القرق من الطائفة المسيحية ما تزال قليلة العدد عرف منها السيّد الياس القرق. كما لقّب فرع من آل القرق باسم القرق العلمي، من هذا الفرع السيّد خالد القرق العلمي، ويوسف القرق القرق العلمي. كما للأسرة فرع آخر هو القاووقجي الأسرة الطرابلسية المشهورة.
كما عرفت بعض الأسر العربية بلقب القرق، ومن بينها السيّدة رجاء القرق رئيسة سيّدات الأعمال في إمارة دبي، كما عرف الأديب والشاعر محمد صالح القرق من إمارة دبي أيضًا (صحيفة البيان الإماراتية، الأول من يناير 2015). كما عرف الطبيب الدكتور منير القرق في تركيا وهو من أصل لبناني، وكان والده طبيبًا مارس الطب في لبنان هو الطبيب الدكتور عبد الباسط القرق. وأسرة القرق في تركيا يعتبر أفرادها اليوم من كبار التجار ورجال الأعمال.
أمّا القرق لغة فهي كلمة عثمانية تعني رقم الأربعين، أطلق هذا اللقب على الجد الأول للأسرة، لأنّه كان يحمل الرقم (40) في الجيش العثماني. كما أطلق هذا اللقب على كلّ من كان يعاني من تضخّم الخصي أو داء الفتق، فيقال له القُرق أو المقروق، وتجاوزًا أطلقت هذه الصفة على الدجاجة التي تضع البيض راخمة عليه لمدة أربعين يومًا مقدمة لفقس البيض وخروج الأفراخ منه، فيقال لها «القُرقة». كما أطلق مصطلح قِرقة على المرأة التي تجاوزت الأربعين.
كما أشار ابن حزم إلى أحد ألعاب العرب القديمة مثل الشطرنج والنرد والقِرق، وتسمّى بالعامية المصرية «السِيجة» وتسمّى بالعربية «السدر» ابن حزم، ص 160.
أمّا لفظ «بربر» الذي أطلق على الوالي مصطفى آغا بربر فهو صفة أطلقت أصلًا على السكان البرابرة في العصور الوسطى، كما أطلقت على بعض سكان المغرب العربي الذين كانوا يتكلمون لهجات أعجمية، فعرفوا باسم البربر.
وأشارت بعض المصادر التاريخية بأنّ مصطفى القرق لقّب بمصطفى بربر، لأنّه كان في بعض الأحيان يعيش منعزلًا في مزارع الكورة والشمال مع والده. وما يزال البيارتة وبعض سكان المناطق اللبنانية يطلقون صفة «بربري» لمن يعيش منعزلًا عن الناس.