الاحتلال الصليبي لبيروت الإسلامية

(503هـ/1110م)

شعر الصليبيون بضرورة الاستيلاء على المدن الساحلية لضمان حرية المواصلات مع أوروبا، وقد تمّ لهم ذلك بالرغم من مناعة هذه المدن. ففي سنة 500هـ/1107م، فشلوا في دخول صيدا بسبب مساعدة الأسطول الفاطمي لها. وفي سنة 501هـ/1108م، لم يتمكن الأسطول الفاطمي من مساعدة طرابلس فسقطت بيد الصليبيين، ذلك أن الأسطول المصري عاد إلى مصر بالرغم من تمسك أهل بيروت وصيدا وصور ببقائه في مياه ثغورهم، حماية لهم من غزو صليبي وشيك. وكان سقوط طرابلس بيد الصليبيين درساً للفاطميين، لذلك لم تكد تصل الأخبار إلى الأفضل الفاطمي بزحف الصليبيين نحو بيروت سنة 503هـ/1110م، بقيادة بلدوين الأول (Baldwin) ملك بيت المقدس وبرترام بن صنجيل وجوسلين صاحب تل باشر، حتى أرسل الأسطول المصري لنجدة بيروت، التي حوصرت 11 يوماً. ويذكر أسطفان الدويهي في كتابه {تاريخ الأزمنة} أن الحصار أستمر مدة شهرين براً وبحراً حتى سقطت بيروت.

ولم يكن الاستيلاء على بيروت أمراً سهلاً، فالمسلمون دافعوا ببسالة عن مدينتهم، وعندما صنع الصليبيون برجاً من خشب صنوبر بيروت، ونصبوه على سور المدينة، ونصبوه على سور المدينة، كسره المسلمون بحجارة المنجنيق. وفي هذه الأثناء، أرسل الأفضل الفاطمي أسطولاً مصرياً، يتألف من 19 مركباً حربياً، لنجدة المسلمين في بيروت.

وتغلب الأسطول الفاطمي على مراكب الصليبيين، واستولى المسلمون على بعضها، ثم أفرغت شحنة تلك السفن من القوت والمؤن والعدد والسلاح، فقويت نفوس أهل بيروت، واشتدت عزائمهم، وبدأوا يقومون بهجمات عنيفة على الصليبيين الذين يحاصرون بيروت. وعندئذ أستنجد الملك بلدوين الأول بالجنوية، الذين طالما سخروا سفنهم في خدمة الحركة الصليبية، فأتوه في أربعين مركباً مشحونة بالمقاتلين، ونصبوا عليها مائة منجنيق، كما نصبوا برجين من خشب الصنوبر على أسوار المدينة، واشتدوا في حصارهم لبيروت وأخذوا يمطرونها بقذائف الحجارة المدمرة. وأستشهد في المعركة، مقدّم الأسطول المصري وعدد كبير من رجاله، ولكن المعركة تحدد مصيرها أمام ضخامة الحشود الصليبية، فانهزم المسلمون، ودخل الصليبيون بيروت قهراً.

والحقيقة أن بيروت دافعت بشجاعة ضد الصليبيين، الذين لم يشهدوا حرباً في عنفها وضراوتها. ويشهد إبن القلانسي بضراوة المقاومة الإسلامية، فيقول: {ولم ير الإفرنج فيما تقدم وتأخر أشد من حرب هذا اليوم}، ويقصد يوم دخول الصليبيين بيروت.

وهكذا انهارت مقاومة الحامية المصرية في بيروت، وفرّ والي المدينة إلى قبرص مع معظم قواده، تاركاً أهالي بيروت وحدهم في المعركة، مما اضطرهم إلى إجراء مفاوضات التسليم، ولكن الصليبيين دخلوا بيروت عنوة بالسيف، واستولوا عليها قتلاً وأسراً ونهباً يوم الجمعة في 21 شوال سنة 503هـ/13 أيار 1110م.

وكان الأمير عضد الدولة علي بن شجاع الدولة الأرسلاني، وجماعة من أقاربه في بيروت، أثناء هجوم الصليبيين عليها، ولقي مصرعه هو وخمسة من أفراد عائلته عندما دخلها الصليبيون.

وبلغ عدد القتلى الذين استشهدوا، من أهل بيروت الإسلامية، عشرين ألفاً. ولم يكتف بلدوين الصليبي بما فعله في بيروت، بل أخرج الأسرى جميعاً خارج المدينة، وضرب أعناقهم في اليوم التالي من سقوط بيروت. كما سقطت صيدا أيضاً، بعد أن خاف أهلها أن يصيبهم ما أصاب بيروت وأهلها، فدخلها الصليبيون بعد حصار دام 47 يوماً.

أما صور فصمدت بسبب مساعدة الأسطول المصري لها، وفشل الصليبيون في دخولها سنة 504هـ/1111م، وبعد تقاعس الأسطول المصري في مساعدتها سلّم الأهالي المدينة للصليبيين في 23 جمادي الأولى سنة 518هـ/1124م. وبسقوط صور تلاشى نهائياً نفوذ الفاطميين على ساحل الشام.

عودة للفصل الأول

عودة للصفحة الرئيسية