زواج المتعة ... بين السنة والشيعة
يعتبر زواج
"المتعة"،
أو ما يعرف بالزواج
"المؤقت"،
أحد الموضوعات الفقهية المُختلف عليها بين أهم طائفتين من المسلمين: السنّة
والشيعة. فالأولى تحرم هذا النوع من الزواج، قائلة بنسخه بعد تحليله. فيما الشيعة،
تقول بحليته، وعدم نسخه.
ضمن
هذا الجدل، يدخل زواج
"المتعة"،
ليكون محط اختلاف بين الفريقين. وهو جدل سببه كما يرى البعض، عدم الفهم المتبادل
لمعنى هذا الزواج، وشروطه، وطريقته، وصيغته. فيما يبقى زواج "المتعة" مبهماً لدى
الكثيرين، من دون أن يعلموا له تعريفاً محدداً. فزواج
"المتعة"،
وبحسب الفقه الشيعي، هو
"تزويج
المرأة الحرة الكاملة نفسها إذا لم يكن بينها وبين الزوج مانع شرعي - من نسب أو سبب
أو رضاع أو إحصان أو عدة أو غير ذلك من الموانع الشرعية-"،
مشترطين لهذا الزواج شروطاً وهي: أولاً، تعيين المهر المتفق عليه. ثانياً، تعيين
مدة الزواج بيوم مثلاً أو شهر أو سنة. ثالثاً، أن يكون الزواج بالرضا والاتفاق بين
الطرفين. فإذا انتهت المدة تنفصل المرأة عن الزوج من دون طلاق.
ويجب على المرأة مع الدخول بها - إذا لم تكن يائسة - أن تعتد عدّة الطلاق، إذا كانت
ممن تحيض، وإلا فتعتد بخمسة وأربعين يوماً.
والولد الناتج من زواج المتعة - ذكراً كان أو أنثى - يلحق نسبه بالأب ولا يُدعى إلا به، وله من الإرث ما للولد الناتج من الزواج الدائم والمذكور في القرآن الكريم، كما يرث من الأم، وتشمله جميع العمومات الواردة في الآباء والأبناء والأمهات، وكذا العمومات الواردة في الأخوة والأخوات والأعمام والعمات.
من هنا يرى فقهاء الشيعة أن "المتمتع بها زوجة حقيقة، وولدها ولد حقيق. ولا فارق بين الزواجين الدائم والموقت إلا أنّه لا توارث في زواج المتعة ما بين الزوجين، ولا قسمة ولا نفقة لها. كما أنّ له العزل عنها، وهذه الفوارق الجزئية فوارق في الأحكام لا في ماهية الزواج، غير أنّ أحدهما زواج موقت والآخر زواج دائم، وأنّ الزواج الأول ينتهي بانتهاء الوقت، والآخر ينتهي بالطلاق أو الفسخ".
عالم سني، كالدكتور يوسف القرضاوي، يرى أن السنة أجازت زواج المتعة قبل الشيعة،
مؤكداً أنه قد قال به
"حبرُ
الأمة إبن عبَّاس، وإن قيل أنه رجع عنها. ولكن ظل عدد من أصحابه في مكة وفي اليمن
يفتون بها، مثل عطاء، وسعيد بن جبير، وطاووس، رضي الله عنهم أجمعين".
تحليل عبد الله بن عباس لزواج
"المتعة"،
هو الآخر كان محل خلاف بين علماء المسلمين، ففي حين يرى عدد كبير من علماء السنة أن
إبن عبَّاس حرّم المتعة في آخر حياته يرى علماء الشيعة، أن إبن عبَّاس لم يحرمها،
ويؤيدهم في ذلك عدد من علماء السنة.
حول هذه المسألة يقول الدكتور النجيمي: "إن نكاح المتعة يحرمه أهل السنة بالاتفاق، نظراً للأحاديث الصريحة التي تحرمه. وقد خالف في ذلك إبن عبَّاس رضي الله عنه، وعليه أكثر أصحابه كعطاء وطاووس، وبه قال ابن جريج. فيرون أن نكاح المتعة للضرورة والحاجة الشديدة، كالميتة ولحم الخنزير، وبالتالي فإن الصحيح أن إبن عبَّاس لم يرجع عن قوله هذا. وقد حكم ابن عبد البر في "الاستذكار بضعف الآثار التي ورد فيها رجوع إبن عبَّاس عن القول بإباحة المتعة". وهو ما يذهب إليه العلامة المصطفى، من أن إبن عبَّاس لم يحرم زواج "المتعة"، مستنداً في ذلك لقول إبن عبَّاس "رحم الله عمر ما كانت المتعة إلا رحمة من الله تعالى رحم بها أمة محمد، ولولا نهيه لما احتاج إلى الزنا إلا شقي".
النجيمي، وفي موضع آخر، يُشكل على الشيعة إجازتهم لزواج "المتعة" في حال السعة والاختيار، معتبرا أنها إنما رخصت في الحال الشديد. في الوقت الذي يشير المصطفى إلا أنه لا يوجد دليل على اقتصار "المتعة" على وقت الضيق والحرج فقط، لقيام الدليل على سعتها، وعدم ضيقها.
على رغم اختلاف النجيمي مع المصطفى، إلا أنه يؤكد أن جميع علماء المسلمين من السنة،
لا يقيمون الحد على من تزوج
"متعة"،
معتبرين هذا الزواج، زواج
"شبهة"،
ولا يعتبرونه زنا، ملحقين ولد نكاح المتعة بأبيه، مضيفاً بعدم القول بـ"كفر"
من يبيح نكاح
"المتعة".
إلا أنه على رغم مرونته في هذه المسألة، يدعي بأن
"الغلاة
من الشيعة توسعوا فيها توسعاً هائلاً
"وهو
الادعاء الذي يرفضه العلامة المصطفى، مضيفاً أن
"لا
صحة لما قاله الدكتـور النجيمي، مع احتـرامنا الشديد له. فكلامه يفتقد للعلمية
والدليل. لأن من شروط المتمتع بها أن لا تكون ذات
"بعل"
أي غير متزوجة، وأن تتم العملية وفق الشروط التي تحدث عنها".
ويضيف المصطفى:
"انه
على رغم إباحة أئمة أهل البيت لزواج (المتعة) إلا أنهم تشددوا في السؤال عنها،
والتأكد من تحقق شروطها، لكي لا يقع الطرفان في الشبهة والحرام. ففي الحديث عن
الإمام محمد الباقر أنه سئل عن المتعة، فقال: إنّ المتعة اليوم ليست كما كانت قبل
اليوم إنهن كن يومئذ يؤمَنّ واليوم لا يؤمَن فاسألوا عنهن. كما روي عن أبي سارة
قال: سألت أبا عبد الله (الصادق) عنها، يعني المتعة؟ فقال لي: حلال فلا تتزوج إلا
عفيفة، إن الله عز وجل يقول: (والذين هم لفروجهم حافظون) فلا تضع فرجك حيث لا تأمن
على درهمك"،
معتبراً أن هذا التشدد
"إنما
جاء للحفاظ على العفة والأخلاق، بعيداً عن الممارسة السلبية لها التي قد يمارسها
بعض الجهالة. دون أن تكون ممارستهم هذه مستوفية للشروط الشرعية".