1306-1336هـ/1888-1918م

في سنة 1864م، صدر قانون تشكيل الولايات، وأصبحت بلاد الشام تضم ولايتين فقط هما ولاية سوريا وولاية حلب، وأختفت ولاية صيدا. وألحقت مدن بيروت وصيدا وطرابلس بولاية سوريا، في حين قامت متصرفية جبل لبنان الذي نال استقلاله الإداري. وفي سنة 1888م، فصلت بيروت عن ولاية سوريا وأنشئت ولاية بيروت ومركزها مدينة بيروت. واستمرت هذه الولاية 30 سنة، شهدت فيها مدينة بيروت سلسلة من الأحداث السياسية والعسكرية والإقتصادية والثقافية والعمرانية....

إنشاء ولاية بيروت ومركزها مدينة بيروت 1306هـ/1888م

برَّرت الدولة العثمانية إنشاء ولاية بيروت سنة 1888م، بأنه {{نتيجة ازدياد أهمية مدينة بيروت وحساسيتها}}، وكذلك للوقوف في وجه النفوذ الأجنبي والتقليل من شأنه وأسبابه، بالإضافة إلى أتساع ولاية سوريا واتخاذ ولاتها مدينة دمشق مركزاً لهم، الأمر الذي يجعل بيروت في وضع دون أهمية دمشق، لذلك استدعت الضرورة السرعة في جعل بيروت ولاية، بعد فصلها عن ولاية سوريا.

وبمقتضى هذا التنظيم الإداري الجديد استمرت بلاد الشام{سوريا} حتى انتهاء الحرب العالمية الأولى سنة 1918م، تنقسم إلى ثلاث ولايات هي دمشق وحلب وبيروت، وثلاث  متصرفيات هي جبل لبنان والقدس ودير الزور.

واما ولاية بيروت، فتمتد على طول 355 كلم وعرض يتراوح بين 30 و90 كلم، في مساحة تقدّر بـ 30500 كلم مربع، وتقع بين خطي الطول 32.35-34.10، وخطي العرض 31.50-35.35، يحدها شمالاً ولاية حلب، وشرقاً ولايتا حلب ودمشق، جنوباً لواء القدس، غرباً البحر المتوسط.

وتشتمل ولاية بيروت على خمسة ألوية هي : بيروت واللاذقية وطرابلس وعكا ونابلس، وتحوي كل منها أقضية ومديريات.

وكان لواء بيروت يضم أربعة أقضية هي : بيروت وصيدا وصور ومرجعيون، مساحتها 4530 كلم مربع. أما الأقضية الأربعة: البقاع وبعلبك وراشيا وحاصبيا، فكانت تتبع ولاية دمشق.

وكان علي باشا، أول من صدرت الإرادة السلطانية بتعيينه والياً على ولاية بيروت.

السكان :

تطور عدد سكان بيروت من ثلاثين ألف نسمة سنة 1852م، إلى أربعين ألف نسمة 1871م، ومائة ألف سنة 1885م. وعندما أصبحت مركز ولاية بيروت سنة 1888م، أرتفع الرقم حتى بلغ مائة وخمسين ألف نسمة سنة 1910م، وكانت المسلمون فيها يغلب عليهم مذهب السنة مع أقلية من المتاولة والدروز والإسماعيلية والنصيرية، أما المسيحيون فيمثلون 23.5 في المائة، وأكثريتهم من الأرثوذكس مع أقلية من الموارنة والأرمن والإنجيليين واللاتين، وأخيراً يمثل اليهود 1.7 في المائة، وهم مع قلة عددهم تعدادهم 2784 يهودي.

الإدارة :

كان يعين على ولاية بيروت والٍ تركي الجنسية، وكان مثل غيره من الولاة الأتراك، تابعاً لوزارة الداخلية في العاصمة التركية، أما مدينة بيروت نفسها، وهي مركز الولاية، فكان يعين عليها متصرف تركي أغلب الأحيان، وكانت القاعدة المتبعة الإدارية هي المركزية، أي الرجوع في كل إصلاح أو عمل هام إلى وزير الداخلية، مما أدَّى إلى بطء تقدم الولاية في طرق الإصلاح الإداري والعمراني.

بلدية بيروت :

تأسست بلدية بيروت سنة 1867م، بهدف تحسين وضع المدينة. وبعج إنشاء ولاية بيروت سنة 1888م، لم تستطع بلدية بيروت القيام بمهامها لتطوير المجتمع البيروتي، وذلك بسبب قلة واردات البلدية. وقد تولى رئاستها فخري بك، الذي عمل على نهضتها، كما تولى محيي الدين حمادة رئاسة البلدية سنة 1892م.

العدل والقضاء :

وفي العدل والقضاء، كان أهم ما يميز القاضي هو الوجاهة قبل العلم. وسنة 1892-1893م، كان المدعي العام يدعى علي باور، ويعاونه عمر لطفي. وكان جميع أعضاء المحاكم البدائية والإستثنائية في بيروت يعيِّنهم وزير الداخلية والوالي والمتصرَّف لمدة سنتين، على أساس الوجاهة والمحسوبية. إلى أن أعلن الدستور سنة 1908م، وأصبحت الكفاءة الحقوقية هي الأساس الأول في تعيينهم، مما حفظ للقضاء هيبته وكرامته.

الجيش :

كانت القيادة العسكرية في ولايات سوريا {دمشق وحلب وبيروت}، هي قيادة الجيش الثامن ومركزها دمشق، وقائدها الأعلى برتبة مشير {سميت بعد إعلان الدستور سنة 1908م قيادة الفيلق الرابع ويرئسها فريق}، كما يرئس القيادة في مراكز بيروت وحلب والقدس فريق أو أمير لواء، وفي باقي مراكز الألوية ميرالاي {أي عميد وكولونيل}.

وبم يظفر أهل مدينة بيروت والمدن الساحلية بالرتب العالية في الجيش العثماني، كما حصل لأهل دمشق وحلب، فمنذ أن تولى مدحت باشا ولاية دمشق سنة 1879م، عمل على إنشاء مدرسة عسكرية.

الصحة :

كانت الحالة الصحية في مدينة بيروت على وجه حسن بشكل عام، فالمحجر الصحي {الكرنتينا} يلعب دوره في حماية المدينة من القادمين إليها عبر البحر، وهناك المستشفى الفرنسي والمستشفى الأميركي إضافة إلى المستشفى العسكري، وغيرها من المستشفيات الخاصة، وقد لعبت دوراً بارزاً في أمور الصحة.

وبنهاية القرن التاسع عشر أصبحت بيروت بلا منازع، أكثر أجزاء السلطنة العثمانية تقدماً، وظل المجتمع البيروتي في طليعة مجتمعات الولايات العثمانية.

الإقتصاد :

وجه والي بيروت عزمي بك جهوده لتطوير الحياة الزراعية في ولاية بيروت، فقرر مجلس عمومي الولاية الذي أجتمع في مدينة بيروت في كانون الأول سنة 1913م، تنظيم الأمور الزراعة. وتقرر ميزانية الزراعة الخصوصية لولاية بيروت سنة 1914م، بعد أن تقرر تأسيس مكتب زراعي في كل لواء من ألوية بيروت، وقد ابتاعت الولاية الأراضي اللازمة لهذه المكاتب. وفي تشرين الثاني سنة 1913م، افتتح عزمي بك نموذجاً زراعياً وداراً للحليب في مدينة بيروت.

انتشرت معامل الطحين في أنحاء متفرقة من ولاية بيروت، منها مائة معمل تشتغل على الماء وعشر مطاحن على الهواء. كما كان هناك معاصر لاستخراج زيت الزيتون.

وكانت ولاية بيروت تصدّر إلى أوروبا كل عام أكثر من خمسة ملايين بيضة من بيض الدجاج، عدا البيض الذي تستهلكه، فازدهرت تربية الدجاج للاستفادة منه.

المشاريع الإنمائية والعمرانية في مدينة بيروت :

استفادة مدينة بيروت من كونها مركز ولاية بيروت، فقامت المشاريع لتحسينها وتطويرها ، بدءاً بالمرفاء والشوارع والأسواق وتسيير الترامواي الكهربائي.... مروراً بالسكة الحديد لربطها بدمشق ....

عودة للفصل الثاني

عودة للباب السادس

عودة للصفحة الرئيسية