جميل السيِّد يتذكر الجزء الأول
جميل السيِّد يتذكر
الجزء الأول
كنت اعرف ان الموضوع شائك. فور صدور الاعلان عن الحلقات هاتفني سياسي لبناني.
قال: «هل تعرف ان الرجل كان العمود الفقري للنظام الامني – السياسي الذي رعته سورية في لبنان؟ هل تعرف حجم الاتهامات الموجهة الى فلول النظام الامني بعد مسلسل الاغتيالات الذي شهده لبنان؟ هل يحق لصحيفة عربية بحجم «الحياة» ان تنشر موضوعاً بهذا القدر من الخطورة والحساسية قبل ان تقول لجنة التحقيق الدولية كلمتها؟». رددت ان الوفاء لدماء رفيق الحريري وباسل فليحان وسمير قصير وجورج حاوي يلزم الصحافة بأن تسعى بدورها الى جلاء الحقيقة وجمع الروايات تاركة للقارئ ان يقارن ويستنتج في انتظار ان تقول لجنة التحقيق كلمتها.
لماذا جميل السيد؟
الجواب بسيط: لأنه كان في قلب القرار قبل ان يصبح في قلب العاصفة. كنت اعرف ان الاحداث لا تزال ساخنة ولا تتيح فتح خزنة الاسرار على مصراعيها. وان لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري بدأت عملها في بيروت وانها ستستمع الى كثيرين بينهم السيد. وان مجرد ايراد الاسم في المناخ العاطفي والسياسي الحالي يثير احتجاجات وربما اتهامات. وان علاقة السيد ببعض وسائل الاعلام، وبينها «الحياة»، شهدت خلافات ونزاعات دفعتنا احياناً الى الوقوف ضده.
كنت اعرف ان اصدقاء جميل السيد يشددون على نجاحه في بناء مديرية الامن العام بعيداً من عقلية المحاصصة والمحسوبية والرشوة وان خصومه يقرون بذلك، لكنهم يتهمونه بنصب الكمائن للديموقراطية وأحياناً بـ «تركيب الملفات». وان السياسيين يقولون انه كان اكثر من «الرجل الثاني» في مخابرات الجيش في عهد الرئيس الياس الهراوي، وانه كان اكثر من المدير العام للامن العام في عهد الرئيس اميل لحود. وانه اصطدم برؤساء وأقطاب سعوا تباعاً لدى دمشق لازاحته ثم عادوا عن محاولاتهم بالاستسلام لقدر التعايش معه. كنت أعرف كل ذلك لكنني كنت اعرف ان الصحافة لا تثيرها الحوارات مع «القديسين». وكنت اعرف قبل ذلك ان من حق قارئ «الحياة» ان يعرف أكثر عن الرجل الذي ما كان ليحمل كتاب استقالته لو لم يغيّر الزلزال موازين القوى وموقع البلد وملامحه.
توقعت ان يرفض السيد في البداية. وهذا ما حصل. وتوقعت ان تكون عملية اقناعه متعبة. وهذا ما حصل. زاد من الصعوبة غياب العلاقة الشخصية قبل الحوار اذ ان معرفتي بالرجل في السنوات الماضية لا تتجاوز لقاءين عابرين.
الرئيس الحريري مستقبلاً اللواء السيد في منزله
لماذا جميل السيد في سلسلة «يتذكر»؟
انها الرغبة في جلاء الحقيقة وتسجيل دور لاعب بارز في محطات اساسية. انها الاسباب نفسها التي دفعتني سابقاً الى محاورة نبيه بري ورفيق الحريري ووليد جنبلاط وميشال عون وسمير جعجع وايلي حبيقة وجورج حاوي وعشرات الشخصيات اللبنانية والعربية. وبصورة أخص انها الاسباب نفسها التي دفعتني الى محاورة العميد غابي لحود رئيس الشعبة الثانية في عهد الرئيس شارل حلو والعقيد جوني عبده شاغل المنصب نفسه في عهد الرئيس الياس سركيس. وقد اتهم الرجلان ايضاً بتشكيل حكومات وتحريك وزراء ونواب وتدعيم مواقع وتهديد مواقع.
أُنجز هذا الحوار قبل اغتيال الشهيدين قصير وحاوي وأدت التطورات الى تأخير نشره. و «الحياة» اذ تبدأ اليوم نشر رواية اللواء الركن جميل السيد المدير العام السابق للأمن العام تؤكد احترامها لحق الرد والتوضيح. وهنا نص الحلقة الأولى:
كان يوم اثنين وجدول الاستقبال عادي. التقيت ضباطاً من الأمن العام. وعادة استقبل بعد العاشرة والنصف شخصيات ومنها أجانب لأن معظم عمل الأمن العام مرتبط بالاجانب. في الثانية عشرة والنصف استقبلت الملحق الأمني في السفارة البريطانية في بيروت في حضور ضابط الارتباط مع الاجانب في الأمن العام.
سمعنا دوي انفجار قوي. للوهلة الأولى ذهبت الظنون الى احتمال ان يكون الدوي ناتجاً عن اختراق طائرات اسرائيلية جدار الصوت. بعد دقائق تلقيت اتصالاً من صديق كان ماراً في منطقة الفينيسيا ثم توالت الاتصالات وكان اتصال مع فخامة رئيس الجمهورية ووزير الداخلية. بعدها تأكد ان الموكب المستهدف هو موكب الرئيس الحريري رحمه الله.
وبماذا شعرت حين تأكد اغتيال الحريري؟
- كان شعوراً بالصدمة وعدم التصديق عند تلقي الخبر.
الى أين ذهبت ظنونك؟
- في مثل هذه الظروف لا يكون السؤال الأول عن الفاعل. كان هناك شعور بأنها كارثة والهم الفوري هو النظر الى النتائج المحتملة. مثل هذا الاغتيال يمكن ان يطلق انفعالات وردود فعل ويترك ذيولاً لهذا يفكر رجل الأمن أولاً في الانعكاسات المباشرة، السؤال الأول هو تدارك الوضع الذي خلفته الجريمة، أما السؤال الثاني فهو عن الفاعل المحتمل.
كنتَ رجلاً أساسياً في السلطة، فماذا فعلت؟
- جرت اتصالات بين كل المسؤولين في الدولة، أنا من الذين تحدثوا مع رئيس الجمهورية ووزير الداخلية. كان هناك اتجاه فوري لعقد جلسة للمجلس الأعلى للدفاع في قصر بعبدا. عقد الاجتماع بحضور الرئيس اميل لحود ورئيس الحكومة عمر كرامي ووزراء الدفاع والداخلية والمال والاقتصاد وقادة الاجهزة الأمنية، كان الجميع تحت وطأة الصدمة، فالجريمة كانت تفوق التصور. جرى التفكير في الانعكاسات على الأمن والاقتصاد. حصل لاحقاً تداول مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حول الوضع النقدي، تطرق البحث الى تنظيم مأتم وطني. هذا عدا عن التحرك القضائي وكشف ملابسات الجريمة.
ألم تتصلوا بالسوريين؟
- طبعاً الجانب السوري كان معنياً منذ اللحظة الأولى بمتابعة التطورات. وعندما عقد مجلس الأمن المركزي برئاسة وزير الداخلية شارك رئيس قسم أمن بيروت في القوات السورية العميد محمد خلوف، على غرار ما كان يفعل في الاجتماعات السابقة.
حول من حامت الشكوك؟
- الأمن لا يتهم جزافاً. الأمن يبحث عن معطيات ثم يتابعها. المسألة ليست مسألة تحليل أو شكوك. القاعدة تقضي بفتح كل الاحتمالات ثم حذف بعضها تباعاً على ضوء جمع المعلومات أو الأدلة. الانفجار تزامن مع بث ادعاء هاتفي ثم تلفزيوني عن مسؤولية منظمة مجهولة عن عملية الاغتيال.
هل بحث مجلس الدفاع الأعلى في اعلان حال الطوارىء؟
- لم تطرح كفكرة مطلوب تنفيذها. اعتبرت الاجتماعات مفتوحة لاتخاذ القرارات التي توجبها التطورات. مجلس الدفاع الأعلى لا ينوب عن الحكومة، انه يعطي توصيات. وقد اجتمعت الحكومة وأعلنت الحداد وقررت اقامة مأتم وطني رسمي، الأمر الذي جوبه فوراً بالرفض من قبل عائلة الشهيد وفئات في المعارضة.
الانطباع الأول كان ان الاجهزة الأمنية اللبنانية ركَّبت شريط أبو عدس؟
- نحن كأجهزة أمنية لم نأخذ الشريط كاثبات. اعتبرنا الشريط من ضمن الاحتمالات التي يمكن أخذها في الاعتبار. لا تستطيع اتخاذ موقف فوري من الشريط سلباً أو ايجاباً. يمكنك ان تقول ان الشريط ظهر في توقيت يتعلق بالجريمة وفي فترة زمنية لا تسمح بالاعتقاد أنه فبرك بعد وقوعها. لا نصدق الشريط فوراً ولا ننكره فوراً. يجب اخضاع الموضوع لتحقيق. كل من اتخذ موقفاً ضد الشريط كان مخطئاً، وكل من اعتبر الشريط اثباتاً أخطأ أيضاً. حصل تسرّع في الاتجاهين، سواء لجهة تبني الشريط أو لجهة رفضه.
أريد جواباً واضحاً، هل للأمن العام علاقة من قريب أو بعيد بشريط أبو عدس؟
- لا علاقة لا من قريب ولا من بعيد، سوى اننا حصلنا على افادة مدير مكتب محطة «الجزيرة» في بيروت الصحافي غسان بن جدو الذي زودنا بكامل الرواية عن الشريط وأحلنا افادته الى القاضي لمتابعتها من قبله مرفقة بالشريط. أما بالنسبة للاتهامات السياسية التي صدرت، فقد ردّدت على ذلك بمؤتمر صحفي في حينه أكدت فيه اننا بتصرف أي تحقيق داخلي او خارجي حتى قبل ان تعلن الدولة موافقتها على التحقيق الدولي، نحن تحت التحقيق ولسنا فوقه.
أين أبو عدس وكيف تبخر سريعاً؟
أبو عدس كما ظهر في شريط الفيديو. - إذا تحدثنا بالمفهوم الأمني الصرف، الاستنتاجات لدينا من خلال الشريط ومن خلال الاستماع الى الاستاذ غسان بن جدو (مدير مكتب قناة «الجزيرة» في بيروت)، وهو الذي تلقى سلسلة اتصالات من الجهة التي تقف وراء الشريط، استنتجنا ان الشريط صُنع قبل موعد تنفيذ الجريمة. إذاً أبو عدس قد يكون طرفاً مباشراً او قد يكون طرفاً في عملية تضليل. من يحكم في هذه المسألة؟ الجواب هو التحقيق ومتابعته. يضاف الى ذلك ان أبو عدس يعتبر من وجهة النظر الأمنية شخصاً ميتاً. مجرد ظهوره في الشريط على هذا النحو سيؤدي الى استنتاجين: اما انه شارك في العملية وقتل فيها كانتحاري وفق ما قدم نفسه في الشريط؟ واما انه طرف في عملية تضليل وقد يكون قتل ايضاً. في التحليل الأمني يمكننا اعتبار الشخص ميتاً. رواية أبو عدس قد تكون رواية جدية جداً وقد تكون رواية مضللة جداً جداً. الحسم في هذا الموضوع يتم بعد التعمق في التحقيق. اذاً إهمال هذه الواقعة بسبب حساسيات يعتبر خطأ كما ان اعتبارها اثباتاً دامغاً على هوية المنفذ يعتبر خطأ.
لم يعثر في مسرح الجريمة على أي أثر لأبو عدس؟
- لدينا تقارير من خبراء أجانب. كل الدول وضعت أنظارها على مسرح الجريمة. في تقرير غير رسمي أرسلته لنا احدى السفارات الكبرى في بيروت انه في مثل هذا النوع من الانفجارات وبمثل هذه الكمية من المتفجرات لا يبقى أثر لأي جزء من أجزاء الجسم يتيح اجراء فحص الحمض النووي، وهو العنصر الوحيد الذي يتيح لك التأكيد، في غياب الشهود، ما إذا كان أبو عدس قتل في مسرح الجريمة أم لم يقتل. استند التقرير الى حصيلة تفجيرات حدثت في بلدان أخرى وقال ان من الحالات شبه النادرة ان لم تكن معدومة ان يوجد في انفجار بهذا الحجم أثر يسمح باجراء فحص الحمض النووي للانتحاري المفترض.
من أجرى اتصالات بآل الحريري للمشاركة الرسمية في التشييع؟
- كلفت اطراف على علاقة طيبة بآل الحريري وبالوزير فؤاد السنيورة الذي تربطه علاقات بعدد من وزراء حكومة الرئيس عمر كرامي، كان لنائب رئيس الحكومة عصام فارس دور بارز في هذا المجال بتكليف من الحكومة. وجرت اتصالات عبر أقنية أخرى. الجواب جاء بالرفض تحت وطأة الألم الذي كانت تعيشه العائلة، وترافق الألم مع موقف سياسي.
كان هناك عداء بين أطراف في السلطة والرئيس الحريري؟
- لا أريد التحدث عن آخرين. الموقع الوظيفي عادة هو الذي يحكم المواقف وبالتالي التناقضات التي تنتج عنها. وهذا الموقع وضعني في كثير من الاحيان في مواقع قد تختلف عما يريده الرئيس الحريري.
في السياسة تعيش تقلبات دائمة. يوماً تحالف ويوماً تخاصم. الرئيس الحريري كما غيره، مرّ بفترات من هذا النوع سواء مع الرئيس لحود أو الرئيس برّي او الوزير جنبلاط، ومع آخرين. لكن ثمة فارق كبير بين العداوة والخصومة. الخصومة مسموحة، العداوة لا. حتى في عزّ الخلافات مع الرئيس الحريري كانت لنا لقاءات، وكان هنالك ضباط ارتباط معه لنقل التشاور. المفارقة في علاقتي مع الرئيس الحريري هي انها كانت حسنة عندما يكون خارج السلطة، لكنها تتعكر حين يكون في الحكم، خصوصاً عندما تشتد الازمة بينه وبين الرئيس لحود. هنا اريد ان أذكر انه بعد انتخابات العام 2000 اتهمت وحتى من قبل أطراف حول الرئيس لحود انني احتضنت المعارضة وانني ألبي طلبات الحريري وأدافع عن جماعته. أما آخر اتصال مع الرئيس الحريري قبل اغتياله فكان قبل يومين من الجريمة، حين كلف مساعده المقدم وسام الحسن الاتصال بي لمراجعة النيابة العامة بخصوص الافراج عن بعض أنصاره الذين وزعوا زيت زيتون في بيروت. وقد اجريت الاتصالات اللازمة وأعدت اليه الجواب بان ينتظر خيراً في الليلة نفسها وهكذا كان وشكرني بواسطته. هنا اريد ان أشير الى العنصر الانساني العالي في شخصية الحريري. أقول هذا بعد خبرتي مع سياسيين كثيرين. مع الرئيس الحريري تشعر انه تجري في شرايينه دماء، في حين ان في شرايين سياسيين كثيرين في لبنان زيت سيارات.
هل أثيرت فكرة التخلص من الحريري في اي اجتماع أمني شاركت فيه؟
- مع ان السؤال بحد ذاته لا يُطرح، فإنه لم يحصل هذا على الاطلاق. لم يعقد اجتماع من هذا النوع سواء بمعرفتنا أو مشاركتنا. لم يطرح مثل هذا الموضوع اطلاقاً.
كانت هناك لدى الحكم عقدة الحريري سواء كان مشاركاً أم معارضاً هل كان عقبة أمام استكمال سيطرة الفريق الآخر؟
- لا يمكن السيطرة على لبنان لا من قبل فريق سياسي حتى ولو ترأسه الحريري ولا من قبل فريق أمني حتى ولو كان معه الرئيس لحود. لبنان تركيبة خاصة واستثنائية. اي شخص يدّعي السيطرة على لبنان يرتكب خطأ. يمكنني الحديث عن صراع وجهات نظر متناقضة في الشؤون السياسية والاقتصادية والادارية بين الرئيس الحريري من جهة وآخرين في السلطة وخارجها من جهة أخرى. طبعاً، ونحن هنا نتحدث في السياسة، كل طرف يسعى لأن يكون موجوداً بقوة في السلطة لفرض وجهة نظره. هذا المسعى كان موجوداً دائماً من جانب الرئيس لحود وكذلك من جانب الرئيس الحريري. التوازنات في لبنان تفرض أحياناً الخروج من السلطة أو القبول بتسويات داخلها، وهذا يصدق على الجميع. المسألة ليست مسألة عقدة، المسألة هي من يستطيع، ضمن الظروف السائدة، ان يكون الأقوى في لعبة الحكم. أحياناً كان الرئيس لحود وأحياناً كان الرئيس الحريري وأحيانا أخرى غيرهما. يجب ان نتذكر ان في لبنان رؤساء من خارج السلطة، في الطوائف والفئات، غير الرئاسات الموجودة في السلطة، وأحياناً اقوى منها.
من المسؤول بحكم القانون عن مسرح الجريمة؟
- في لبنان أربعة أجهزة: قوى الأمن الداخلي واستخبارات الجيش والأمن العام وأمن الدولة. الأمن العام وأمن الدولة لا يتعاطيان في ما يسمى أمن الجريمة، اي مسرح الجريمة وما يستتبعه. يطلب منهما بعد حصول جريمة بارزة السعي الى توفير معلومات بموجب استنابات. مسرح الجريمة من اختصاص قوى الأمن الداخلي والقضاء المختص. وإذا كانت استخبارات الجيش معنية بالتحقيق يمكن ان يكون باشرافها ووفقاً للمهمة التي يحددها القاضي. في لبنان عادة تكون قوى الأمن الداخلي هي المسؤولة، وفي حالات خاصة تكون استخبارات الجيش.
في حالة اغتيال الحريري من كان مسؤولاً عن مسرح الجريمة؟
- القضاء وقوى الأمن الداخلي. شاركت استخبارات الجيش في فترة المعاينة بحكم الانتشار الميداني للجيش ودوره في حال حصول أحداث كبرى ولاحقاً كانت المهمة حصرية بقوى الأمن الداخلي باشراف القضاء العسكري ثم انتقلت الى المحقق العدلي.
لم يُدقَق بمسرح الجريمة جيداً، هل السبب هو عدم جدية أم قلة كفاءة؟
- صراحة، ان عبارة عدم جدية في جريمة استهدفت شخصاً بحجم الرئيس الحريري بهذه الطريقة البشعة، لا تنطبق على مشاعر اي مسؤول، لذلك أؤكد ان لا وجود لعدم جدّية متعمّدة. لكنني أقول ان ارباكاً ضخماً حصل بسبب حجم الحدث والجريمة وتدفق الناس والانفعالات والضغوط الفورية. كان عيار الجريمة أكبر من القدرات التي تحركت في اللحظة نفسها لكشفها. كل مسرح جريمة، وهو مسؤولية مشتركة بين القضاء وقوى الأمن الداخلي، يمكن ان تحدث فيه ثغرات لا يجوز اصلاً ان تحدث. بمقدار ما يصان مسرح الجريمة تصان العناصر الضرورية لمصلحة التحقيق. بعد ظهور اتهامات في الصحف عن ثغرات في مسرح الجريمة سألت المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء علي الحاج وضباطاً من جهاز التحقيق كالعميد هشام الأعور (من الشرطة القضائية) عنها، فكان الجواب انهم وجدوا أنفسهم أحياناً بين خيارين: اما ان يحفروا للبحث عن جثث وادلة وهناك خطر ان يؤدي الحفر الى تخريب مسرح الجريمة. واما ان يتعاطوا مع ما هو ظاهر ولا يقتربوا مما هو مغطى بالتراب. الحقيقة ان الضغوط كانت كبيرة وسيوف الاتهامات مسلطة فوق المعنيين. لا أريد القول ان الاهمال لم يحصل، أقول ان الأمر يجب أن يترك للتحقيق. طبعاً معروف ان وزير الداخلية سليمان فرنجية اتخذ اجراءات. طبعاً على المعنيين ان يبرروا سلوكهم أمام التحقيق الذي سيسأل هل كانت هناك نية متعمدة أم كان هناك خوف سببته الاتهامات وأدى الى ما يمكن اعتباره تقصيراً. أنا أعتبر ان على المعنيين بمسرح الجريمة الرد على الاسئلة المتعلقة بالثغرات. أنا اعتبر ان ثغرات حصلت، لكن هل كانت بسبب نيات جرمية؟ أم بسبب حجم الاتهامات أو التقصير؟ أترك الجواب للقضاء.
حين تقرر عزل مسرح الجريمة في عهدة من كان؟
- كان في عهدة القضاء وقوى الأمن الداخلي، والطوق الخارجي فقط كان في عهدة الجيش.
وقصة طمر مسرح الجريمة؟
موقع جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. - صباح اليوم التالي للجريمة قرأت في الصحف ان سيارات موكب الرئيس الشهيد رفيق الحريري نقلت ليلاً من مسرح الجريمة، وكانت الاتهامات موجهة الى جميع الاجهزة، لأن الناس ربما لا تعرف من المسؤول عن مسرح الجريمة. الأمن العام خارج مسرح الجريمة لجهة المسؤولية أو الوجود الفعلي. لم يكلف عنصر من الأمن العام التوجه الى مسرح الجريمة. المشكلة ان الاتهامات وجهت الى الاجهزة بشكل عام. السيارات نقلت الى ثكنة الحلو وقال المعنيون انهم صوروها حسب الأصول. اتصلت باللواء علي الحاج وسألته عما أوردته الصحف فأجابني انه تلقى ايعازاً بفتح الطريق وان ترتيبات تجري وفقاً لهذا الايعاز. نصحته بعدم الاستمرار في ذلك وقلت ان الأمر لا يتعلق بحادث سيارة أو انقلاب شاحنة. هذه جريمة كبرى. لا ترتكبوا خطأ في هذا الموضوع. أياً تكن الجهة التي أوعزت اليك لا تنفذ وأنا سأتصل فوراً بوزير الداخلية للفت نظره فهذه الجريمة ستثير اهتمام العالم ويجب الانتباه الى حصانة مسرح الجريمة.
طبعاً أنا هنا كنت أوجه نصيحة، اذ لا سلطة لي على المدير العام لقوى الأمن الداخلي. قلت في نفسي ربما لا تكفي النصيحة فاتصلت بالوزير فرنجية وتمنيت عليه ان يصدر أمراً. هنا أريد أن أقول ان وزير الداخلية كان من أكثر الناس تأثراً بسبب الجريمة وكان حزيناً. اتخذ الوزير موقفاً فورياً، وكان تدخله مهماً في ضبط مسرح الجريمة، وقيل لي لاحقاً، انه تدخل لمنع العبث به حتى قبل ان افيده عن الموضوع.
لمن يعود الحق في اصدار أوامر الى اللواء علي الحاج؟
- في ما يختص بمسرح الجريمة يعود الحق الى القضاء المختص. في تلك الفترة كان هناك قاضي التحقيق العسكري ثم بعد فترة نقل التحقيق الى المحقق العدلي. ولست على علم إذا كان لدى أي من القضاة اطلاع على هذه التفاصيل. خبرتي السابقة في الاستخبارات هي التي دفعتني الى التحذير من اي مس بمسرح الجريمة.
ترددت شائعة ان اللواء علي الحاج تلقى الايعاز من ضابط كبير في القصر الجمهوري؟
- اللواء الحاج هو الأقدر على اثبات هذا الموضوع أو نفيه. له مصلحة في توضيح ما حصل. على كل مسؤول ان يوضح للقضاء او للجنة التحقيق الدولية لماذا فعل ما فعل أو لماذا لم يفعل؟ أنا لم أتلق اي اتصال لا من القصر الجمهوري ولا من غيره. انا قمت بمبادرة واعتقد ان اتصالي بوزير الداخلية حال دون وقوع خطأ جسيم في مسرح الجريمة تحت عنوان «ضرورة فتح الطريق» وكأن الذي حصل حادث سير. هل كانت النوايا حسنة أم سيئة، على اصحاب الشأن توضيح الموضوع. أنا تدخلت من الناحية التقنية ولشعوري بما يمكن ان يترتب على أي عبث غير مسؤول في مسرح الجريمة. أعتقد انني قدمت خدمة للواء علي الحاج وكثيرين حين قرأت صباحاً عن نقل السيارات ليلاً.
هل كان موقف قادة الاجهزة الأمنية متماسكاً وهل راودتك رغبة في الاستقالة؟
- من أصل 37 سنة في الجيش والأمن العام أنا عملت في الأمن العسكري وصولاً الى الأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهو من صلاحية الأمن العام، مدة 27 سنة. عملت في حقول الأمن المختلفة، وكانت مسؤولياتي تبعاً لرتبتي. تحقق انجازات وتحصل معك كبوات، الشعور بالذنب لا يتولد لديك إلا إذا كنت مقصراً فعلاً. هناك الشعور بالإصابة عندما يقع حادث أمني، خصوصاً إذا كان الحادث الأمني كبيرا، فإن أول شعور لدى شخص مثلي هو انه أصيب. يصاب الأمن بالتوازي مع الشخ