لا شك بأن إيمان الشيخ حسن خالد بالقضية الفلسطينية هو الذي دفعه في البداية إلى نصرة ومساندة العمل الفدائي الفلسطيني، انما عندما تجاوز العمل الفلسطيني حد التدخل في القضايا اللبنانية الداخلية، اصطدم الشهيد حسن خالد مرات عديدة مع الرئيس ياسر عرفات رحمه الله، شخصياً، وأنذره بأن ما يفعله هو خطر ليس على لبنان وانما على القضية الفلسطينية بشكل عام.

# هل هدده الفلسطينيون؟

الفلسطينيون ضايقوا الشهيد حسن خالد كثيراً.

# كيف؟

   في تحركاته وأعماله وبعض الامور السياسية في لبنان وضايقوه عملاً، كانوا يظهرون له كل الود والاحترام، ولكن كانوا يرتبون له كل ما يضايقه في الخفاء.

 # كيف امضى الايام الاخيرة من حياته وهو يتنقل من مكان الى آخر، تحت القصف، هل جمعكم واوصاكم بشيء؟ هل نبهكم الى انه قد يغتال، وهل كتب وصية سياسية او شخصية على هذه القاعدة؟

   رحمه الله، كان يعلم ان هناك محاولة لاغتياله ولكنه في الوقت نفسه كان يعلم ان الموت يحدده رب العالمين، وكان يعلم ايضاً بأن من سيحاول اغتياله سيكون شديداً لدرجة انه سيؤكد هذا الاغتيال.

# لن تكون محاولة.. بل اغتيال؟

   لن تكون محاولة، وعندما تنفذ العملية ستنفذ بطريقة كاملة لدرجة ان لا تترك اثراً.

# تماماً كما فعلوا في عملية الشهيد الرئيس رفيق الحريري؟

تماماً.. كان هم الشيخ الشهيد حسن خالد الا يذهب معه ضحايا، هذا كان همه الوحيد. لأنه كان يعتقد بما ان المحاولة يمكن أن تنجح أو لا تنجح، ان تؤذي المواطن البريء. فكاد أن يستجديهم بأن يطلقوا عليه النار بدل المحاولة التي قد تطال العشرات من الأبرياء.

# الشهيد في هذه الحالة وهو مدرك وواثق انه سيقتل ألم يبحث عن نقطة لقاء، لقطع الطريق على محاولة اغتياله، مع السوريين مثلاً، أو ألم يطلب حماية عربية من المملكة العربية السعودية وأصدقائه هناك، من مصر من الكويت ألم يحاول فتح حوار؟

اعتقد بأنه وصل إلى نقطة لا نستطيع أن نقول انه يئس، لا، لم ييأس من رحمة الله. كان متفائلاً بأنه سيكون هناك غد أفضل للبنان. إنما كان يعلم بأن أي عمل في هذا الاتجاه لا يجدي. ولا يفيد، بل على العكس سينشغل بأمور دنيوية ستبعده عن الواقع الذي يعيشه.

# هل تعتقد انه كان يخشى في تلك اللحظة أن يقدم تنازلات عن أفكاره ومبادئه؟

أبداً.. لأنه كان يعلم كل العلم انه إذا ما حاول الحوار كان الرد.. التنازل. وهو لم يكن ليتنازل قيد أنملة عن حق اللبنانيين في عيشهم السليم.

# ألم يتصل به مثلاً اللواء غازي كنعان؟

أبداً كان هناك شبه انقطاع بالعلاقة.

# هل كان عندما تحصل تجاوزات يتصل بالسوريين ولا يجيبونه هاتفياً مثلاً؟ أو يرسل أحداً ولا يستقبلونه؟

كان دائماً حريصاً على علاقته مع كل المسؤولين، سوريين وغيرهم، ويحكم هذه العلاقة، كما ذكرنا، الواقع اللبناني ومصالح اللبنانيين، لم يكن يتصل بالسوريين أو بغيرهم لمصلحة شخصية أو لمأرب خاص أو لوضع، لا سمح الله، خارج عن إطار مصلحة اللبنانيين جميعاً.

# البلاد العربية كلها، تقريباً، حذرت الرئيس الشهيد رفيق الحريري قبل اغتياله، هل جرى تحذير المفتي الشهيد حسن خالد عربياً؟

لا اعتقد. هناك معلومات وصلت إليه من جهات عربية، ولكن غير رسمية، بأن هناك محاولات لاغتياله.. وكانت الإشارات والدلائل مادية، لم يهم الاتصال ولا الرسائل ولا التحذير، كان المفروض على الشيخ حسن خالد أن يقطع اتصاله بأمين الجميل، وبالبطريرك صفير، ويقطع اتصاله بميشال عون وبالعيش المشترك.. كان الشيخ حسن خالد يتعلق بحبال الهواء، من هو الإنسان الذي يستطيع أن يساهم معي في وحدة الصف الوطني، كان الشيخ حسن خالد لا يتردد في الاتصال به وفي الجلوس معه لينشىء حواراً ما أو حالة ما. كانوا يريدون من الشيخ حسن خالد أن يقبع في منـزله وأن يثبت أول أيام رمضان، وعيد الفطر وعيد الأضحى. وإذا قيل له أجِّل العيد ليومين كان المفروض عليه أن يسمع الكلام ويؤجله. وهذه ليست من شيمه وليست من تربيته. لذلك كان مؤهلاً ومستعداً للموت لأنه لن يتنازل عن هذا الإيمان. لأن هذه مسؤولية دينية. وأنا قلت لكم ان وصوله إلى منصب الافتاء في ذلك الوقت لم يحمل الفرحة له، كانت عبئاً عليه. كان يتأفف من بعض التصرفات التي كنا نعتبرها عابرة وكان هو يعتبرها مصيبة.

# لنتكلم عن المفتي بين أسرته، هل جلس إليكم المفتي حسن خالد في تلك الفترة الحرجة التي كانت تصله فيها تهديدات هاتفية أو رسائل مباشرة، وقال لكم استودعكم لأنني معرض للاغتيال، هل قال لكم من الذي يهدده، هل ذكر ان سوريا التي ستغتاله؟

قلنا الإيمان يحتم على الإنسان أن يقدر ما سيحصل. فكان يقدر ان هناك محاولات وان إحداها ستكون نهائية، لأنه كان يزعج الكثيرين ممن لم يرغبوا بالصيغة التي ينادي بها. في أيامه الأخيرة كنا نشعر بأنه في صفاء تام مع نفسه ومع ربه ومعنا، كان يقوم بكثير من الأمور في البيت لإرضاء والدتي، لأول مرة كان يعمل أشياء غريبة، كأن يغسل الصحون مثلاً، هو هذا الرجل الذي لا يجد عيباً في أن يكون إنساناً عادياً.. ولكنه في ذلك الوقت أشغاله لم تكن تعينه على أن يقوم بمثل هذه الأعمال، ولكنه كان حريصاً في آخر ثلاثة أيام من حياته، وهذه لا أحد يعلمها، على ان يقوم بغسل الصحون لإرضاء والدتي، لتقول له ((أطال الله بعمرك))، كان ينظف السجاد مثلاً، استغربنا جميعاً، ما هذا الذي يفعله، كان يتمشى بيننا ويذكرنا انه ربانا على الصدق وعلينا أن نحافظ على الصدق ويقول ربيتكم على الاخلاص فحافظوا على الإخلاص. ربيتكم على الإيمان فكونوا مؤمنين، كان يذكرنا بالصلاة وبمسيرته، ويسألنا هل أخطأت معكم في مكان ما. إذا أخطأت سامحوني.

# دمعت عيناك يا أبا حسن..

الحمد لله.. وكان يوصينا دائماً أدوا زكاة مالكم لأن هذا المال لن يساعدكم الا اذا نظفتموه، لدينا منـزل في منطقة عرمون، وكان حريصاً على ان يجمع العائلة يوم الاحد، وقبل اغتياله بيومين، جمع العائلة كلها، شقيقاتي وبعولهن، خالاتي وعماتي، جمعهم في عرمون وقام بصنع حلوى ((الكنافة)) بيديه ووقف معهم يتحدث في امور الحياة ودور الانسان في هذه الحياة، كيف يموت الانسان ويكون راضياً.

 [ الصفحة التالية ]  [ الصفحة السابقة ]